
أخطاء طبية من نوع آخر
ميساء راشد غدير
زار أحد القراء، بعد أن شعر بدوار خفيف وفقدان التوازن، عيادة صحية حكومية في منطقة أم سقيم في إمارة دبي، وطلب منه إجراء بعض فحوصات الدم لمعرفة الأسباب. وبعد أيام ذهب المريض إلى العيادة لمعرفة نتائج التحاليل، وبعد دخوله على الطبيب فوجئ بالطبيب، وهو ممسك بملفه الطبي، يطلعه على النتائج، ممطرا إياه بسيل من الأمراض التي لم يعرف يوما أنه مصاب بها، من مرض السكري وأدوية لا بد أن يستمر عليها مدى الحياة، رغم أن المريض غير مصاب بالسكري ورياضي ويجري الفحوصات اللازمة بشكل مستمر، إلى التهاب في الكبد وارتفاع في نسبة الأملاح، والتهاب في الكلى، ما جعل المريض في حالة ذهول مما يسمع.
أصابت المريض حالة من الخوف والهلع. وفي الأثناء التي كان الطبيب يقرأ عليه تفاصيل التحاليل والنتائج التي بين يديه، انشغل المريض بالتفكير في الأموال التي سيستدينها من البنك لتدبير تكاليف رحلة العلاج إلى الخارج لإجراء الفحوصات الطبية الكاملة، لإثبات إصابته بهذه الأمراض التي لم يعرف إصابته بها يوما، ولم تظهر عليه أعراضها، ماعدا دوار الرأس وفقدان التوازن الذي بحث عن أسبابه، ولم يتوقع أن تكون بهذا الحجم وفي هذا الزمن القياسي، رغم حرصه الشديد على متابعة صحته.. لكنه لم يستسلم وسط حالة الخوف والهلع التي أصابته، فبدأ في مناقشة الطبيب مخبرا إياه بأنه لم يكن مريضا بالسكري ولم يشكُ شيئا في كبده، إلى أن انتهى به المطاف للسؤال عن الملف الذي بين يدي الطبيب إن كان فعلا ملفه الصحي، وهنا كانت المفاجأة!
فالملف كان لمريض آخر غيره، وهو ما تأكد منه الطبيب بعد معاينة الاسم الثلاثي، الأمر الذي كان سبباً في نجاة مريضنا من وصفات طبية قد تودي بحياته وتسلمه مدى الحياة لأدوية لا يحتاجها، بسبب عدم دقة الطبيب أو العاملين معه. وقتها ما كان من الطبيب سوى تقديم الاعتذار إلى المريض المذعور، وإحضار ملفه الطبي والاطلاع على نتائجه التي أكدت وجود التهاب في أذنه استدعى تحويله إلى أخصائي أنف وحنجرة، بعيدا عن عيادة الباطنية، وبعيدا عن مرضى السكري والكلى والكبد!
الحادثة وقعت في عيادة، ولولا حرص المريض وصدمته وجدله مع الطبيب، لسارت الأمور بشكل آخر، ولربما صرفت له الأدوية بشكل خطأ، بدلا عن مريض آخر، خاصة فيما لو كانت الصدمة سببا في تسليم المريض بما سمع.
الأسئلة التي لا بد من طرحها: من الملام في هذه الحالة؟ ومن يتحمل المسؤولية عن هذه الأخطاء؟ وكيف يمكننا الوثوق بأطباء أصبح بعضهم متقاعسا في عمله، حتى في مسألة بسيطة كالتعرف على هوية المريض الذي يقف أمامه، ومطابقة معلوماته بالملف الذي بين يديه؟
الأخطاء الطبية لها قانون ولها لوائح، لكن ما رويناه لا يندرج ضمنها، بل يندرج تحت قلة المسؤولية واللا مبالاة، التي نأمل من هيئة الصحة في دبي أن تضع حدا لها ليصبح الأطباء أكثر مسؤولية في عملهم، فهناك مسنون لا يقرأون ولا يكتبون وآخرون يعجزهم مرضهم حتى عن النقاش والجدل، في حين يبقى دور الطبيب أكبر من ذلك، فهو مستأمن بعد الله عز وجل على صحة وسلامة أفراد يفترض أن يوليهم حق العناية.
– عن البيان