د. فاطمة الصايغ

أخرجت دورة خليجي 21 وفوز منتخبنا الوطنى بكأس الخليج أجمل ما فينا، تلاحمنا الوطني، ذلك التلاحم الذى شهده القاصي والداني. فلم يبق صغير أو كبير الا والتأم ليشهد المباراة النهائية لمنتخبنا، والتي حقق فيها نصرا أثلج صدورنا وجعلنا نشعر بالفخر لأداء أبنائنا ومدربنا الوطنى. فإحساسنا بأننا نستحق المركز الأول شاركنا فيه جميع من يحبنا ويحب الإمارات الحبيبة.

كذلك أوضحت دورة خليجي 21 دور المدرب المواطن بعد سنوات من الاعتماد على المدربين الأجانب وأسقطت مقولة بأن المواطن غير قادر على تحقيق انجازات عالية الاداء دون الاعتماد على الأجنبي أو بيوت الخبرة الاجنبية . خليجي 21 أسقطت الكثير من الاعتقادات التي ترسخت في العقود الماضية ولربما جعلتنا نفكر بطريقة مختلفة.

أولى الاعتقادات كانت حول تلاحمنا الوطنى. فقد تكررت عبارة التلاحم الوطنى كثيرا خلال هذه الفترة على لسان الكثيرين، وأكد عليها المسؤولون أيضا. ولكن السؤال الذى ظل يراوح مكانه هل هناك أدنى شك في ذلك التلاحم ؟ وإذا كان الامر كذلك فما هي الأسباب ؟

لم تكن الإمارات تعرف الفرقة ولا المشاعر المختلطة. فجميع المواطنين تشغلهم نفس الاحاسيس ويجمعهم الحب لهذا البلد. فقد رسخ الآباء المؤسسون الولاء للوطن بسياسة العطاء واليد المفتوحة والمعاملة الأبوية الحانية، فلم يحس أي مواطن بأنه مواطن من الدرجة الثانية أو أنه أقل حظا من أخيه المواطن الآخر. إحساس المواطنين بأنهم سواسية في المعاملة نما لديهم شعور الانتماء للوطن وجعلهم يضعون الإمارات أولا وأخيرا فوق كل رهان.

ولكن هذا لا يعني أنه لا توجد هناك تيارات فكرية تغلغلت في المجتمع نتيجة الانفتاح ونتيجة لتأثيرات المحيط الاقليمي وربما العالمي. فظهرت هناك أقلية وضعت لها أجندة خاصة وفكرت بطريقة مختلفة نظير ولائها لغير القيادة والوطن.

هذه الأقلية خسرت نفسها وخسرت قضيتها تماما كما خسرت أجمل شيء في الدينا وهو التلاحم مع الجماعة الأكبر، وهو شعور رائع يمنح الانسان الأمن والأمان. لذا رأينا تلك الفئة وقد انغلقت على نفسها وعاشت في خوف ووجل نتيجة لانعزالها عن محيطها الاجتماعي والفكرى. لربما اعتقدت هذه الأقلية أنها سوف تكسب قاعدة شعبية أو لربما اعتقدت بأنها تستطيع تسريب أفكارها لمحيطها القريب.

ولكن ردة الفعل الشعبي لها كانت مفاجئة ليس لنا بل لها. فاجأتها ردة فعل الناس عندما انفضح أمرها وعرف الناس بها.

ولكن لربما كانت الضربة القاضية لها عندما شهدت ذلك التلاحم الوطنى بين القيادة والشعب ليس في مناسبة واحدة فقط ولكن في العديد من المناسبات. وكان التفافنا في خليجي 21 مذهل بكل المقاييس. إنه يقدم لنا صورة واضحة بأن تلك المناسبات الوطنية هي مناسبة لنا لإخراج أجمل ما فينا في أبهى صورة تسقط كل اعتقاد بأن هناك شك في قوة تلاحمنا الوطني.

خليجي 21 أسقط اعتقادا آخر، آلا وهو عدم قدرة الإنسان المواطن الوصول الى تحقيق إنجاز عالي الأداء دون الاعتماد على الغير. فلسنوات طويلة كان اعتمادنا دوما على الاجنبي، خبيرا ومستشارا وبيوت خبرة. وحتى عندما كنا نضع مواطنا في مكان صنع القرار كنا نضع له الخبير والمستشار الاجنبي ونمده بخبرة البيت الاجنبي حتى أصبحنا لا نفتح بقالة في الحي الا بعد استشارة خبير أجنبي.

هذا الاعتقاد سقط في شباك خليجي 21 عندما استطاع المدرب الوطنى إحراز إنجاز يفخر به الجميع. هذا النصر أعاد الاعتبار ليس فقط للمدرب المواطن بل للإنسان المواطن الذى يثبت كل يوم جدارة حقيقية في تحقيق إنجازات نفخر بها ويستطيع بها أن يصل الى العالمية.

اعتقادا آخر سقط في شباك خليجي 21 ، ألا وهو أن الولاء مرتبط فقط باكتساب الجنسية. فأعداد من وقف معنا وساندنا كان كبيرا لدرجة فاقت تصورنا. فهناك من تابع مباراتنا النهائية من أقاصي الأرض حبا في الإمارات التي وصل خيرها الى أقاصي الدنيا. لقد زرعت الإمارات خيرا وحبا فحصدت خيرا وحبا.

ويمكن أن يكون أجمل ما وصلني هو رسالة من بغداد يقول مرسلها : لأنها إمارات زايد ولأنكم أهلها فرحنا لفرحكم “. ذلك الإحساس والشعور لم يأت من فراغ . فما زرعته الإمارات خلال العقود الماضية جنته في صورة حب فياض ومشاعر رائعة تظهر خلال مناسبات الإمارات الوطنية.

لربما أسقط خليجي 21 اعتقادات أخرى كثيرة ولربما زادنا هذا إصرارا على المضى قدما في تحقيق خططنا وأحلامنا الكبار جدا، تلك الأحلام التي نراها تتحقق كل يوم على أرض الواقع. فلا يمضى يوم دون أن نرى الإمارات وهي تسجل إنجازا تلو آخر، ومفخرة تلو أخرى، محطمة أرقاما قياسية سابقة ومسجلة إنجازات هائلة كبيرة ومخيبة آمال القانطين والحاسدين والمتشائمين الذين لا يريدون لهذا البلد الصدارة ولا يريدون له أن ينهض أو أن يبرز بصورة جميلة ولائقة .

خليجي 21 جعلنا نتمنى أن تكون هناك مباراة كل يوم تخرج أجمل ما فينا وتسقط اعتقادات أخرى كثيرة تراود نفوسنا، اعتقادات تحبطنا أو تقف حجر عثرة في طريق تقدمنا. خليجي 21 لم يكن مجرد مباريات لكرة القدم بل مناسبة وطنية جمعتنا جميعنا وأخرجت كل المشاعر الجميلة فينا. خليجي 21 عبر عن الكثير :

عن تلاحمنا الوطنى الذى لا يحتاج الي شك، عن قدرات المواطن التي تحتاج الى وقفة قوية ودعم حتى يستمر في تحقيق الإنجاز تلو الانجاز، عن سياسة الإمارات الخارجية التي أثمرت حبا ودعما للإمارات في كل المحافل بدءا من القضايا الكبرى وانتهاء بالرياضة. إنجازات الإمارات نتمنى أن تستمر متألقة حتى نحقق خليجي 100و 200 و300 .

– البيان