إسماعيل حيدر

كان تراب الرامة في الجليل الفلسطيني المغتصب، أمس، ينتظر عودة جثمان الشاعر سميح القاسم الذي حمله محبّوه على الأكتاف، ليحتضنه تراب مسقط الرأس الذي لم يفارقه، بالرغم من عسف الاحتلال وعنصريته تجاه من صمدوا في بيوتهم، وتمسكوا بالأرض السليبة.
وسار خلف نعش الشاعر الألوف من أبناء فلسطين التاريخية، ليجددوا الوفاء لمن حمل القضية في قلبه وحلّه وترحاله، حتى الرمق الأخير.
يرحل سميح القاسم، لتعانق روحه أرواح من سبقوه من الشعراء الرفاق الذين دوّنوا بشغاف مخيّلاتهم نبض الأرض والناس. وسميح الذي كان ومحمود درويش صنوين في الشعر وحب الأرض، والنضال من أجل القضية في المحافل العربية والدولية، كان لقصائدهما وقع النار في النفوس التواقة إلى الحرية، كما كان لها الأثر المدوّي في المواجهة الثقافية والفكرية والوجودية ضد الاحتلال والاستيطان الصهيونيين.
قصائد القاسم التي عزفتها الموسيقى ورددتها حناجر المغنين، ستظل شاهدة على قامة ثقافية فلسطينية وعربية وعالمية، اكتسبت الحب والتقدير بإبداعها ونبلها والتصاقها بالمكان الأول.
الأرضُ لا تقوى على كلّ هذا الحزن، ولست أدري ماذا ينتابني، إذ كلما ودّع شاعرٌ الحياة، أتحسّسُ رأسي وقلبي، بل أشعر بأن شيئاً ما أصاب هذا الكوكب الصغير بحجمه، والزاخر بالمتناقضات التي لا يداويها إلا الشعر والحكمة.
لكن ما يخفّف من وطأة غياب الشعراء، أنهم يرحلون جسداً، ويظلون أحياء في الذاكرة وعلى الألسن وفي الأنغام جيلاً بعد جيل.. هكذا تبقى كلماتهم تتردد في كل حين، ونراهم بعيوننا المجردة، يسيرون بينها، لكأن أطيافهم ملتصقة بالحروف.
يكفيكَ سميح القاسم أن جسدك يغيب، وروحك ستبقى مخلدة في وجدان محبيك وأفئدتهم، يكفيكَ أنك لا تزال في أرض فلسطين، وسينبعثُ من لدنكَ شعراء إنسانيون كما أنت ومحمود درويش، وهذا أجمل ما يمكن في الحياة الدنيا.
أيها الشاعر الراحل، السلام عليك وأنت في رحاب الخالق العظيم.
– البيان