
العيدُ عند أصحابه
جمال بن حويرب المهيري
أهنئكم بادِئ بدءٍ، بحلول عيد الأضحى السعيد، جعلكم الله من العائدين إليه، الفائزين بكل خير ومكرمة، فما أجمل أيامه التي ترسم البهجة والسرور على خارطة العالم الإسلامي، وعلى كل مكان يوجد فيه أهل الإسلام، فالسعادة عامة ترى فيها كل ما يسرُّ الخاطر ويخفّفُ من عناء الحياة وهمومها، ولقد شهدته في بلادي الحبيبة، وفي أماكن مختلفة من الدنيا فوجدت مظاهره هي هي، اللهم إلا في اختلاف أشكال اللباس وتغير الألسنة، فمظاهره موحدةٌ في أصلها مختلفة بعض الشيء في فروعها، وأحمدالله أننا أينما يممنا في هذه البسيطة.
وجدنا لنا إخوة نشاطرهم فرحة العيد ويشاطروننا، ولهذا السبب أستطيع أنْ أغيّر اليوم سلبيّة المثل الجاهلي المشهور وهو للأضبط بن قريع السَّعدي “أينما أوجهْ ألق سعداً” إلى الإيجابية التي يشيعها العيد بين أهله، فهذا المثل يضرب للتساوي في الشر، وقصته أنّ بني سعد كانت تتنقّص الأضبط وهو سيّدهم، فرحل عنهم ونزل بآخرين فوجد نفس الأمر مع سادة القبائل الأخرى، فقال قولته هذه وعاد إلى قومه.
الأطفال أكثر فرحا بالعيد من آبائهم وأمهاتهم، بل من جميع من هم على الأرض، فهم في هذا اليوم يشاهدون وجوها كثيرة لم يألفوها ويجمعون أموالا طائلة على تقديرهم لا يعرفونها، ويشاهدون كلّ ما لذّ وطاب من أنواع الحلويات اللذيذة، ولو دققت النظر في أحدهم لوجدت آثارها واضحة على أفواههم، وإن كنت نهيتهم عن أكلها قبل الضيوف، ولكنها طبيعة الطفولة العفوية فلا تستطيع التحكم فيها. إني لأذكر كم كان العيد لنا ونحن صغار مصدر فرح ولهو ونصر.
فلا زلت أتذكر ذلك الحي القديم والوجوه الطيبة الباسمة لجيران لا أعرف كيف أصفهم، ولا أستطيع أن أعطيهم حقهم فقد اشتركوا في تربيتنا مع والدينا، ويشاركوننا كل مناسابتنا حلوها ومرها، فنحن وجيراننا بل الحي كله كأسرة واحدة لا تتجزأ ولا تنفصل.
وما أجمل تلك الابتسامة على وجه خالي خليفة بن ثالث “رحمه الله” وزوجته الفاضلة والمربية حفظها الله، وكذلك أهلنا وجيراننا الآخرون، لقد كنا بحق بيتا واحدا في حدود حي من الطراز الأول، لم يبق منه إلا الذكريات وصور لا زالت في مخيلتي صادقة صدق تلك السنوات الجميلة.
كنت أسمع دائما من كبار السن من أهلي “رحمهم الله” يرددون هذين البيتين من الشعر الشعبي:
العيد عنـد أصـحابهْ
وين اسكنتْ الاشرافْ
عيـدٍ بـلا طـرابهْ
بين السـمر والغافْ
وكنت أسألهم عنهما وأنا صغير فيقولون: إنّ هذا بدوي كان يعيش في صحراء لا يرى فيها إلا شجر السمر والغاف المنتشر فيها، ولا يعرف مظاهر العيد ومباهجه عند سكان مدينة دبي القديمة، فحصل مرة أن جاء العيد وهو ضيف فيها ورأى شيئا عجبا من مظاهره التي لم يرها من قبل، فأنشد هذين البيتين وقد تكون الأبيات أكثر من ذلك، ولكن هذا الذي وقع في صدري وحفظته، وأقول: بفضل الله قد تساوى الأمر بين أهل البداوة والحضارة في الإمارات اليوم، بل أظن أنّ العيد أجمل هذه الأيام عند أهلنا البدو بسبب كثرة التواصل، والتراحم بينهم والذي خفّت حدته في المدينة، وللحديث بقية
– عن البيان