دخل اليمن أمس مرحلة فراغ السلطة والأفق المجهول مع تقديم الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي استقالته إلى البرلمان معلنا الوصول إلى طريق مسدود، وذلك بعد اقل من ساعة على استقالة مماثلة لحكومة خالد بحاح مؤكدة «أن العمل لم يعد ممكنا في ظل الظروف الحالية».

وسارع المتمردون الحوثيون الذين يفرضون احتلالهم التام لصنعاء بقوة السلاح إلى الترحيب باستقالة هادي رغم رفضها من جانب البرلمان الذي دعا إلى جلسة طارئة اليوم وسط شكوك بشرعيته أيضا حيث قالت وزيرة الإعلام نادية السقاف «إن شرعية البرلمان المستمدة من شرعية المبادرة الخليجية التي تنظم المرحلة الانتقالية في اليمن لم تعد فاعلة، ذلك أنه باستقالة الرئيس تنتهي المبادرة، وبالتالي يحل البرلمان».

وفي جنوب اليمن، دعت اللجنة الأمنية لإقليم عدن أجهزة الأمن والجيش في محافظات عدن، ولحج، وأبين، والضالع إلى وقف التعامل مع أي توجيهات وأوامر تصدر من صنعاء، لكنها نفت ما تردد عن أن البيان يعني إعلان الانفصال عن الشمال. فيما تحدث سكان ل»الاتحاد» عن انتشار مئات المسلحين الجنوبيين من اللجان الشعبية الموالية لهادي في شوارع المدينة وحول المقار الحكومية والمنشآت الحيوية.

وعزا هادي في خطاب إلى البرلمان استقالته إلى المستجدات التي ظهرت منذ 21 سبتمبر 2014 (تاريخ سقوط صنعاء بأيدي المتمردين الحوثيين)، وقال «إنه حرص على استكمال العملية الانتقالية للسلطة بسلاسة ووفقا لمخرجات الحوار الوطني التي تأخرت لأسباب كثيرة، لكنه وجد أنه غير قادر على تحقيق الهدف الذي تحمل في سبيل الوصول إليه الكثير من المعاناة والخذلان وعدم المشاركة من قبل فرقاء العمل السياسي في تحمل المسؤولية للخروج باليمن إلى بر الأمان، ولهذا يعتذر شخصيا للمجلس وللشعب بعد أن وصل إلى طريق مسدود».

وإذ رفض البرلمان اليمني استقالة هادي ودعا إلى جلسة طارئة صباح اليوم الجمعة لبحث الأزمة. قال مصدر رئاسي يمني رفيع «إن هادي قدم استقالته بعد تعرضه لضغوط شديدة من قبل الحوثيين الذين طالبوه بإصدار قرارات فورية بتعيينات من بينها نائب رئيس الجمهورية من جماعتهم، تحت طائلة التهديد بإجراءات أمنية قاسية إن رفض إصدار القرارات»، وأضاف «أنه في حال قبول البرلمان اليوم باستقالة هادي فان رئيس البرلمان سيتولى مهام رئيس الدولة حتى يتم الإعداد لانتخابات رئاسية مبكرة وفقا للدستور».

وسبق استقالة هادي بنحو ساعة، تسلمه استقالة حكومة خالد بحاح. وقال المتحدث الرسمي باسم الحكومة راجح بادي «إن الاستقالة لا رجعة فيها»، مشيرا إلى أن عمل الحكومة لم يعد ممكنا في ظل الظروف الحالية» (في إشارة إلى سيطرة الحوثيين على القصور الرئاسية في صنعاء وفرضهم حصارا على مقر إقامة هادي وقصر آخر يقيم فيه رئيس الوزراء). وبرر بحاح القرار بالقول «إننا ننأى بأنفسنا أن ننجر إلى متاهة السياسة غير البناءة والتي لا تستند إلى قانون أو نظام، وحتى لا نكون طرفا في ما يحدث وفي ما سيحدث ولا نتحمل مسؤولية ما يقوم به غيرنا أمام الله وأمام الشعب..إننا كحكومة كفاءات حاولنا ما امكن أن نخدم هذا الشعب وهذا الوطن بكل ما استطعنا من قوة وعلم وكفاءة ومسؤولية وضمير، وعندما أدركنا أن هذا لا يمكن، قررنا أن نقدم استقالتنا لفخامة رئيس الجمهورية والى الشعب».

وقال مسؤول كبير من «الحوثيين» يدعى أبو مالك يوسف الفيشي عبر حسابه على موقع «تويتر» إنه يرحب باستقالة هادي»، معتبرا «أنها فرج كبير للشعب». فيما كان عضو المكتب السياسي للجماعة محمد البخيتي قد رحب في وقت سابق بما وصفه بالتنازلات التي قدمها هادي بشأن تطبيق اتفاق تقاسم السلطة، وقال «من يدقق في الاتفاق يجد أنه مجموعة من الإجراءات المتزامنة لتنفيذ اتفاق الشراكة وهذا يؤكد أن الحوثيين لم يكونوا ينوون الانقلاب على العملية السياسية وإنما تحركوا ضد المعرقلين لها ومن أجل تنفيذ كامل الاستحقاق».

ومنع الحوثيون وزير النقل المهندس بدر محمد باسلمة من السفر إلى عدن عبر مطار صنعاء الدولي من دون ذكر أي أسباب بشأن ذلك. كما عززوا هيمنتهم على الأرض منتهكين اتفاقهم مع هادي ليل الأربعاء الخميس بشأن الانسحاب من القصور الرئاسية في صنعاء ومحيط إقامة الرئيس شمال غرب العاصمة، وإطلاق سراح مساعد الرئيس احمد عوض بن مبارك المحتجز لدى المتمردين منذ السبت. فيما قال البخيتي «إن سحب المقاتلين وإطلاق سراح بن مبارك قد يحدث خلال يوم أو يومين أو ثلاثة إذا التزمت السلطات بتنفيذ بقية الشروط».

وتظاهر مئات اليمنيين أمس في صنعاء ومدينتي تعز وإب في وسط للتنديد ب»الانقلاب الحوثي» على مؤسسات الدولة. وجاب عشرات المتظاهرين شوارع العاصمة وصولا إلى شارع الستين حيث منزل هادي وهم يرددون هتافات مناهضة للجماعة المسلحة ويرفعون لافتات حمراء كتب عليها «لا للانقلاب»، وعبارات أخرى. كما تظاهر عشرات الأشخاص في مدينة تعز لليوم الثالث على التوالي للتنديد بسيطرة المتمردين على القصور الرئاسية في صنعاء. وهتف المتظاهرون وبينهم نساء «المشروع نفس المشروع..الحوثي وجه المخلوع» (في إشارة إلى علي عبدالله صالح).

وتظاهر مئات من أنصار الحراك الجنوبي الانفصالي في جنوب اليمن أمس في الضالع للتنديد بهجمية جماعة الحوثيين. وندد المتظاهرون خصوصا باستهداف الجنوبيين في الدولة اليمنية من قبل الحوثيين، وقالوا انهم لا يختلفون كثيرا عن عقلية صالح الذي قمع تمردا جنوبيا في عام 1994 وخاض سلسلة حروب متقطعة ضد الجنوبيين في سبعينيات القرن الماضي.

وكانت السلطات الأمنية في عدن أغلقت مطار وميناء عدن احتجاجا على الاعتداء الانقلابي على هادي المتحدر من الجنوب. إلا أن السلطات أعادت أمس فتح مطار وميناء عدن استجابة للاتفاق المبرم بين هادي والحوثيين. في وقت قال تكتل اللقاء المشترك إن الأحداث الأخيرة التي شهدتها صنعاء هددت ولا تزال تهدد اليمن ووجود الدولة وتجاوزت كل الخطوط الحمر في المساس بالشرعية الدستورية والتوافقية، مشددة على ضرورة المحافظة على ما تبقى من كيان الدولة في اليمن.

الاتحاد