علي أبو الريش

تحت المطر، تنثال ذكريات، كزخات من ماء السماء، تغسل القلب وتعيد له كراسته القديمة، تعيد الطباشير التي سرقها زمن ما بعد الوعي.. تحت المطر ها هي الروح تنبت من جديد وتنشر أوراقها، وترقص الأغصان مبتهلة مبللة، بالنثات مرتلة آيات الصمت تحت النقر المهيب، والفضاء الرحيب، يفتح نافذته الكبيرة ليفرد الطير أجنحة مثل مراوح صغيرة تهفهف مختالة فرحة، وهذا الأخضر يغسل ثيابه من غبار سالف ويهتف للسماء، قائلاً تعال نتعانق تعال نتوحد، تعال نتداخل في جسد واحد، ونغني للوجود والمطر قيثارة الصباح، التي أيقظت الصغار صباحاً، متهللين فرحين يتأبطون بهجتهم وهم يهمون للرحيل باتجاه السبورة الصباحية، ومصافحة وجه المعلم المبلل بالرذاذ.. تحت المطر تخلو السماء من أشعة الشمس وسياطها اللاهبة، ويغرق السحاب بحزنية الموج السماوي الرهيب، تغرق الأرض بمؤونة الغيمة السخية، والعشب يرسم لوحته الكونية على ورقة الأرض، متماثلاً مع البديع في الزمان والمكان.
تحت المطر تختزل الكثير من الأفكار، والهموم، نتخلص من شرشف قديم، ونلقي بالفكرة تحت العذوبة، نطهرها ونسكب على الرأس ما جادت به السحابة الطرية الندية العفية، نسكب من دلاء الدهر، ما علق في الأذهاب ثم نمضي تحت المطر، كأطفال صغار يستمطرون الفرح، من سجايا الفطرة، من دون تكليف أو تزييف.
تحت المطر شيء ما يتسلل إلى القلب مثل جناح فراشة يكنس الوجيب بشفافية مطلقة ويحدث عن لحظة يتغير فيها الزمان والمكان تتغير الأشجان ويبدو الوجدان مثل محارة مر عليها الماء، فبانت مثل الوعاء الثقيل هكذا تبدو الأشياء والناس عندما تضيع السحابات مولودها الجديد، في حضن الأرض، وكل شيء يتنفس الصعداء لأن المطر مثل أول يوم زواج ترتعد له نخوة الجسد، والروح تبدو مثل وردة مغسولة بالحنين.
– الاتحاد