
تعليقات خفيفة
فضيلة المعيني
من أكثر الأشياء التي تسعد الكاتب، أن يجد صدى لكلماته في نفوس قرائه ومتابعيه، وأن يتواصل وإياهم بشكل دائم، مما يؤدي إلى إثراء مخيلته، وقدح زناد قريحته، مثلما يقول الشعراء، ومن ثم تكون مقالاته من الناس وإلى الناس.
وفي زمن ولى، كان التواصل بين القارئ والكاتب، يتم عبر الرسائل المكتوبة بخط اليد، والمغلفات الصفراء، أو عن طريق الاتصالات الهاتفية، وقد أسعدني الحظ بأن كنت ممن لحقن بنهاية عصر المغلفات الصفراء، قبيل “العصر الرقمي”، وقبل أن يصبح العالم، لا قرية صغيرة، مثلما كانوا يرددون على مسامعنا، في كلية الإعلام، ولا حتى بناية، وإنما غرفة صغيرة للغاية، بفضل تكنولوجيا الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي على وجه التحديد.
وبفضل مواقع التواصل والبريد الإلكتروني، والهواتف الذكية، أصبح الكاتب متصلاً بالقراء، على مدار ساعات اليوم الأربع وعشرين، وبالتالي لم تعد العلاقة علاقة بين مرسل ومستقبل، وإنما بين طرفين يتبادلان الأدوار طوال الوقت.صحيح أنني وغيري، ممن جربوا واختبروا التواصل بواسطة الرسائل الورقية، والمغلفات الصفراء، نشعر بين حين والآخر لحميمية هذا الزمان.
حينما كنا نتلقف رسائل القراء بأيدينا، ونحتضنها كما نحتضن رضيعاً، بحب وحنو وحنان، إلا أن الأمر الذي لا نستطيع أن ننكره هو أن وسائل التواصل الرقمية، قد أصبحت من الأهمية بمكان، ولم يعد ثمة كاتب يقدر على العيش من دونها، خاصةً لما تتسم به من ديناميكية وتفاعلية وسرعة، فالكاتب بفضلها لم يعد كممثل السينما ينتظر رد فعل الجمهور، على فيلمه الجديد، بعد نزوله إلى دور العرض، وإنما كممثل المسرح، الذي يصفق له الجمهور أو يقذفونه بالبيض الفاسد في التو واللحظة!
والحق… إن أكثر ما يسعدني في رسائل القراء، هو النقد الذي يوجهه إليّ بعضهم، خصوصاً عندما أراجع ما يوجه إلى ما كتبته من نقد، فأجده صحيحاً، فعندئذٍ أشعر في أعماق قلبي بعميق الامتنان للقارئ، الذي أهدى لي عيوبي، وعلاوةً على النقد، هناك قراء يتمتعون بخفة ظل استثنائية، فيغرقونني بتعليقات لا أظرف منها، مما يدفعني في بعض الأحيان إلى أن أغرق في نوبات ضحك، ويكون الأمر محرجاً للغاية.
حينما أكون ماشيةً في الأسواق، فيرد هذا التعليق أو ذاك إلى هاتفي، فأجدني لا أقوى على كبح موجات الضحك، وأحيانا القهقهة، التي تلفت أنظار المارة، الذين يحدقون فيّ، ولسان حالهم يقول: ما بال هذه الضاحكة من تلقاء نفسها؟وطالما أن تعليقات بعض القراء مضحكة، فدعوني أشرككم في بعضها، فتعليقاً على ما كتبته بالأمس حول رسوم الصرف الصحي التي تفرضها البلديات في عدد من الإمارات على المواطنين.
كتب لي قارئ يقول: إن البلديات المهتمة بالتشجير هي التي يجب أن تدفع رسوماً للمواطن، على اعتبار أنها لن تضطر لشراء السماد، وعليه فإنه كلما أصبح منتجاً – هذا مصطلح القارئ- يرتفع المقابل الذي يحظى به شهرياً، غير أن هذا القارئ وجد أن العقبة الوحيدة أمام تنفيذ هذا المقترح، هو عدم توافر وسائل لتحديد الإنتاج بدقة!
وتعليقاً على ذات الموضوع، كتبت قارئة تقول: أوافق على فرض رسوم مقابل خدمات الصرف الصحي، حتى يتعلم الناس مبادئ ترشيد الاستهلاك.
فيما أمعن قارئ أخر في السخرية، فقال: من المفيد أيضاً أن تفرض بلديات رسوماً على نسبة استهلاك الأكسجين، بحيث يقتصد المواطنون، فلا نستنزف البيئة ونحافظ عليها لصالح الأجيال المقبلة.وفي شأن آخر، وتعقيباً على المدير الذي يرفض استقبال موظفيه، كتب قارئ، وقع رسالته بــ “موظف مواطن مقموع” قائلاً: منذ عام ونصف أحاول الالتقاء بمدير الهيئة الاتحادية التي أعمل بها، وكلما ذهبت إلى مكتبه، تصدني سكرتيرته بعبارة: ما فيه يلتقي فيك اليوم، بلكي بكره بكير” “
وأضاف: هذه ” البُكره البكير ” ، لا تأتي مطلقاً، رغم أني طالما صحوت مع النفير، وذهبت إلى مكتب المدير، فلم أرى إلا المنكر النكير، ولم ألتق بالرجل الكبير.
هذه التعليقات وغيرها، مما يردني يومياً، هي الزاد الذي أتزود به يومياً، ومنها تعليقات تضحكني من أعماق قلبي، ومنها ما يضحكني ضحكاً كالبكاء