تجاهلت شركات الطيران الهبوط الحاد في كلفة فاتورة الوقود نتيجة تراجع أسعار النفط بالأسواق العالمية لأكثر من 9 أشهر متواصلة، وأبقت على جدول أسعارها لأوقات الذروة دون أي مراجعة للأسعار التي تشهد حالياً موجة ارتفاعات قياسية زادت عن 300% إلى عدد من الوجهات الرئيسية، بحسب مسؤولين في مكاتب حجوزات وشركات سياحية ومسافرين.

وفيما خيبت الارتفاعات القياسية لأسعار تذاكر السفر لموسم الصيف وخاصة خلال الفترة من بداية شهر يوليو المقبل وحتى الأسبوع الأخير من شهر أغسطس، آمال المسافرين وخاصة من الأسر والعائلات، بإمكانية تراجع الأسعار خلال هذا الموسم واستفادتهم ولو جزئياً من هبوط أسعار الوقود، اعتبرت شركات الطيران أن احتساب الأسعار يخضع دائماً للعرض و الطلب وأن تراجع أسعار الوقود قابله ارتفاع في كلفة التشغيل والنفقات في جوانب أخرى نتيجة التذبذبات الحادة في أسعار العملات العالمية وكلفة التأمين على الرحلات نتيجة تغيير المسارات الجوية لبعض الوجهات.

وساهمت الحجوزات المتأخرة والتي بدأت في النصف الثاني من مايو الجاري وتستمر طوال شهر يونيو المقبل، للعطلة الصيفية في اشتعال أسعار تذاكر الطيران، خاصة بالنسبة للوجهات التي يقبل عليها المسافرون بكثافة، بالإضافة إلى بعض الوجهات العربية التي تتوجه إليها العائلات المقيمة خلال إجازة الصيف وبعد انتهاء العام الدراسي، حيث تشكل هذه الفترة ذروة حركة السفر ذهاباً واياباً.
وقال مسافرون إن أسعار تذاكر السفر لهذا الموسم خرجت عن السيطرة وتجاوزت أضعاف الميزانية المرصودة، لافتين إلى أن غلاء الأسعار سيدفعهم إلى الاتجاه لخيارات أخرى كالسفر برا أو تغيير وجهاتهم إلى وجهات أخرى بغرض السياحة تكون اقل كلفة، أو البقاء وعدم السفر خلال هذا الموسم.

وأوضح هؤلاء أن مكاتب الحجوزات وشركات الطيران تحولت إلى ما أشبه بالبورصة في الارتفاعات المتسارعة للأسعار، لافتين إلى أن باروميتر الأسعار يقفز بوتيرة أسرع من الأسهم.

وأفاد المسافر إبراهيم علي، أنه خلال قيامه بحجز تذاكر السفر أخبره موظف الحجوزات بسعر معين تم قبوله، لكن بعد الانتهاء من الحجز وعند البدء في الدفع، أخبره الموظف ذاته أن السعر ذات خلال فترة إجراء الحجز ارتفع بنحو 300 درهم، معللا ذلك بأن المقعد الذي تم الاتفاق عليه خصص لمسافر آخر خلال الحجز، مشيرا إلى أنه قام بدفع المبلغ خوفاً من الارتفاع مرة أخرى لمستويات لا يستطيع تحملها.

وبدوره، قال المسافر أحمد عبد الله إن كل محاولاته للحصول على أسعار معقوله للسفر هو وعائلته خلال الصيف باءت بالفشل بعد أن قام بمراجعة كافة مكاتب الحجز وكذلك مواقع الحجز الالكترونية، حيث تجاوزت الأسعار الميزانية التي وضعها للسفر له ولزوجته ولأبنائه الثلاثة بنحو الثلاثة أضعاف بالنسبة للطيران التجاري والضعف بالنسبة للطيران الاقتصادي الذي قفزت أسعاره بوتيرة غير مسبوقة على حد تعبيره.

وأشار إلى أنه قام بالحجز عبر موقع إحدى شركات الطيران مباشرة بسعر جيد، لكنه عندما ذهب إلى الشركة للدفع في اليوم التالي، لأنه لا يُحبذ الدفع عبر بطاقات الدفع، وجد أن الأسعار بلغت الضعف، مشيرا إلى «كثير من الأصدقاء نصحوني بالحجز قبل السفر بعدة أشهر لكنني لم أقم بذلك لأن ظروف العمل هي التي تحدد موعد العطلة بالنسبة لي».
من جانبهم قال مسؤولون في شركات سياحة وسفر أن شركات الطيران تتجاهل إلى الآن الهبوط في كلفة فاتورة الوقود نتيجة التراجع الكبير في أسعار النفط وتأثير ذلك على تسعير تذاكر الطيران، مؤكدين أن الأسعار في موسم الذروة لهذا الصيف إلى بعض الوجهات أعلى بكثير عن الأسعار التي كانت فيها أسعار الوقود مرتفعة.

وقال محمد جاسم الريس نائب الرئيس التنفيذي للريس للعطلات، تسعير تذاكر السفر يخضع بطبيعة الحال إلى ميزان العرض والطلب التي على أساسها يتم تحديد سعر البطاقة، مستبعداً أن تقوم شركات الطيران بمراجعة الأسعار وتخفيضها بناء على تراجع أسعار النفط خاصة بالنسبة للوجهات التي تشهد كثافة عالية في حركة المسافرين.

ولفت الريس إلى أنه من المعروف في سوق السفر أنه كلما كان الحجز قريبا من موعد السفر كلما ارتفعت الأسعار، وكلما تم الحجز مبكرا كلما قل السعر، مشيرا إلى أنه ينبغي على المسافرين التخطيط المبكر للسفر وإجراء الحجوزات قبل السفر بقترة طويلة لتفادي الارتفاعات الكبيرة في الأسعار التي تتزامن مع فترة الذروة، لافتاً إلى أنه حتى لو اضطر المسافر تعديل موعد سفره فسيقوم فقط بدفع الرسوم المفروضة على التأجيل أو الإلغاء.

وأشار إلى أن تقلبات أسعار الصرف في الأشهر الأخيرة وخاصة على صعيد الهبوط الحاد في سعر اليورو مقابل الدولار وبطبيعة الحال أمام الدرهم الإماراتي، أحدثت ظاهرة جديدة في سوق السفر للخارج حيث حفزت هذه التقلبات شريحة كبيرة من المواطنين والمقيمين على إجراء حجوزات مبكرة لموسم الصيف والذي يتزامن مع شهري يوليو واغسطس، وذلك منذ بداية شهر مارس الماضي.

بدوره اعتبر ناروز سركيس المدير العام لشركة بالحصا للسياحة والسفر، أن أسعار تذاكر السفر لموسم الصيف وخاصة إلى الوجهات التي تشهد كثافة عالية في حركة المسافرين، جاءت أعلى من الأسعار في المواسم السابقة، مشيرا إلى أن المسافرين لم يستفيدوا من تراجع كلفة الوقود بالنسبة لشركات الطيران.

وأوضح أن أسعار السفر خلال فترة الذروة في شهري يوليو وأغسطس إلى وجهة مثل القاهرة تباع بسعر أعلى من صيف العام الماضي رغم الهبوط الحاد في أسعار النفط بالأسواق العالمية، نتيجة تمسك شركات الطيران بزيادة إيراداتها بغض النظر عن التحولات الجديدة في تكاليف التشغيل.

واعتبر محمود كامل الخبير في قطاع الطيران أن تأثر شركات الطيران بهبوط أسعار الوقود يختلف من شركة إلى أخرى، فكل شركة لديها اتفاقياتها بخصوص شراء الوقود، إن كانت عقودا سنوية أو نصف سنوية أو ربع سنوية، موضحاً أن الشركات تلتزم بعقود الشراء الموقعة دون النظر إلى ارتفاع أو هبوط السعر في الأسواق خلال فترة التعاقد.

يجري تحديد سعر بطاقة السفر وفقا لعدد لا يحصى من العوامل، منها مسافة الرحلة، وفئة المقعد الذي يختاره الراكب، والجهة المقصودة في حال كانت غير مباشرة، ووجبات الطعام أو كلفة استهلاك الطائرات، والصيانة والضرائب الملاحية وتكاليف أفراد الطاقم وبالتأكيد كلفة الوقود الذي يشكل عاملا بين عوامل أخرى.

ويرى متخصصون في قطاع الطيران أن شركات الطيران تستفيد من التدهور الكبير في سعر برميل النفط، ولكن بشكل جزئي فقط، بسبب المنافسة والتعقيدات التي ترافق عملية تسعير بطاقات السفر، وبالتالي لن تنخفض أسعار الرحلات الجوية إلى النصف بمجرد أن سعر برميل النفط انخفض أكثر من النصف في غضون عام.

أكد مسؤولون في شركات طيران أن ارتفاع أسعار تذاكر الطيران في موسم الصيف أمر طبيعي، إذ يعد من مواسم الذروة، لافتين إلى أن أسعار التذاكر بشكل عام تخضع إلى مبدأ العرض والطلب، والذي يحدد مستوى ارتفاع أو انخفاض هذه الأسعار بحسب حركة السوق.

ولفت هؤلاء إلى أن أسعار تذاكر الطيران دائماً ثابتة ومعروفة، حيث تقوم شركات الطيران بطرح العروض الترويجية، في غير أوقات الذروة لتشجيع الناس على السفر، ولكن مع عطلة المدارس وموسم الإجازات السنوية يرتفع حجم الطلب على السفر إلى الخارج، مما يتسبب في زيادة الأسعار.

وأكد الشيخ ماجد المعلا، نائب رئيس أول طيران الإمارات لدائرة العمليات التجارية، أن تكلفة الوقود لا تزال تشكل نسبة عالية من التكلفة التشغيلية الإجمالية، وذلك على الرغم من الانخفاض الذي سجلته أسعار النفط خلال الأشهر الماضية. وأوضح أن طيران الإمارات أدخلت تغييرات تشغيلية على مسارات رحلاتها ولأسباب احترازية من أجل ضمان سلامة ركابها وطائراتها، ما يعني التحليق مسافات أطول واستهلاك كميات أكبر من الوقود.

وأضاف «مثلها في ذلك مثل جميع شركات الطيران، فإن طيران الإمارات توفر لعملائها تدرجات ومستويات سعرية مختلفة على مدار العام، اعتماداً على قوى السوق. ويرى عملاؤنا، الأفراد ووكالات السفر، أن أسعارنا تنافسية مقارنة بالشركات الأخرى. كما أننا نقوم من وقت إلى آخر بطرح أسعار وعروض خاصة إلى وجهات معينة، وكذلك نعرض أسعاراً جذابة عبر موقعنا على شبكة الانترنت على مدار العام».

من جهته قال متحدث رسمي لشركة فلاي دبي: تؤثر عوامل عدة في تكاليف وعائدات الناقلة، منها أسعار الوقود المتقلبة وأسعار صرف العملات، كما نضع في حسباننا البيئة التنافسية التي نعمل ضمنها ومبادئ العرض والطلب.

من جهته قال حسام زيدان، رئيس قسم التسويق والاتصال المؤسسي لمجموعة العربية للطيران: تخضع أسعار تذاكر السفر في «العربية للطيران» بشكل عام إلى مبدأ العرض والطلب، والذي يحدد مستوى ارتفاع أو انخفاض هذه الأسعار بحسب حركة السوق، ما يعني ارتفاع هذه الأسعار في منطقتنا في فترة الصيف التي تشهد حركة سفر كثيفة بسبب تزامنها مع فترة الإجازات السنوية.وقال «نتيجة لازدياد الطلب تشهد اسعار التذاكر ارتفاعاً في فصل الصيف استجابة لحركة السوق، إلا أن أسعار تذاكر الطيران الاقتصادي تبقى أدنى من مثيلاتها لدى شركات الطيران التقليدية، وذلك بسبب نموذج عملها القائم على مفهوم القيمة مقابل المال».

الاتحاد