علي أبو الريش

زوجات يستدرجن الوقت ويقبضن على العزلة الاختيارية، فيدخلن في فضاء المكان الضيق، يختزلن العمر، في قراءة الأخبار ومعرفة الأسرار عبر الأجهزة الإلكترونية، ويعشن حياة الاعتكاف على صفحات وشاشات تجلب فضولهن، ما يجعلهن لا يخطبن ود أحد ولا تستريح مشاعرهن إلا في الغرف الساكنة، تحت سقوف نجومها مصابيح خافتة.. ومع مرور الزمن يصبح العالم لدى هؤلاء النسوة لا يتعدى حدود الجدران الأربعة، والعلاقة الاجتماعية لا تتجاوز حروفاً مكسرة، تبعثها هذه وتلك لأجل التسلية، وبعد التسلية تصبح الصفحة الصغيرة بحجم كف اليد، الصديق الحميم والأناني الذي يقاوم أي رغبة لدى المرأة في بناء علاقات اجتماعية صحيحة معافاة من أمراض النكوص إلى مراحل أوائلية بدائية، وتتطور الحالة، فتفقد بداية المرأة علاقتها مع الأباعد ثم الأقارب، حتى يصل الأمر إلى طلاق عاطفي ما بينها والزوج.
بعض الحالات من زوجات اليوم، يتحدث عنهن أزواجهن، أن الزوجة لم تعد قادرة على تغيير شرشف السرير الذي تنام عليه، ولا تستطيع جلب كأس الماء لتشرب، علاوة على علاقاتهن مع الأطفال الذين هم الأكباد، ومن لحم ودم الزوجة.
المرأة نصف المجتمع، وإذا كان نصف المجتمع فاقد العلاقة مع محيطه الاجتماعي، غير فاعل في بيته، ومن يدير الشؤون ويسيطر على الشجون، هي الخادمة، هذه التي أصبحت المديرة الفنية لفريق الأسرة، وهي حافظة الأسرار وعالمة بالأخبار والقائمة بكل الأدوار .. نقول إذا كان نصف المجتمع يعاني من كل هذه المعضلات، فماذا سيكون حال المجتمع الذي تعتني بأمور أسرة إنسانة جاءت من أقاصي الدنيا وفي ذهنها أن مجرد مساعدة تدبر ما تؤمرها به ربة المنزل فتجد نفسها بين عشية وضحاها، هي المحور وهي الجوهر وهي المخبر السري عن كل ما يدور في البيت من حركة وسكون.. لا نبالغ إن قلنا إن بعض النساء فقدن دورهن كزوجات، وتقاعدن عن تأدية أي دور وانشغلن بأدوار كان ينبغي أن تكون هامشية، ولا تتعاطى معها المرأة إلا في ساعات النقاهة والاسترخاء.. والمصيبة الأكبر إذا ابتليت الزوجة بزوج لا يقل عنها لا مبالاة ولا إحساس بالمسؤولية، فإن مصير الأسرة والأبناء بالذات، فإنه ذاهب إلى المجهول لا محالة ومن نعوش هذه الأسرة الميتة تخرج الديدان، والطفيليات، وكل ما يضر ببيئة المجتمع، فالانحراف لدى الأبناء سببه الأساسي أسرة مفككة، الأم ساهية والأب لاهٍ، والخادمة مرض ينخر في عظام “العائلة الكريمة”، والمجتمع هو الذي يدفع ثمن كل هذه التمزقات، والتشققات في الجدران المتهاوية والمتداعية والذاهبة بعيداً إلى مقابر الزوال.. نحتاج إلى توعية ونحتاج إلى فكر جديد يغير هذا الانعطاف المميت، ونحتاج إلى آباء وأبناء يرسمون خريطة طريق لبناتهم وأبنائهم قبل الزواج، حتى لا يتحول القفص الذهبي إلى “قرقور” لا تدخل في أحشائه الأسماك الضائعة – ويا رب تحمي مجتمعنا من ضياع الأزواج والزوجات .. والله المستعان

– عن الاتحاد