
ماذا في موبايلات أبنائنا؟
عائشة سلطان
بالعقل والمنطق والدين، فإن الحرية حق مصان ولا بد من إحقاقه والدفاع عنه، إذا أراد الإنسان أن يتمتع بكامل إنسانية كاملة غير منقوصة، هذا كلام لا خلاف عليه، لكن في أيامنا هذه – وما أكثر مهاجمة الأيام وانتقادها – صارت الحرية موضة تطول وتصر، ترتفع وتنخفض، تتلون وتتبدل بحسب الأمزجة والتفاسير والمصالح، خاصة أننا نعيش عصر الحرية والثورات ومنطق كل شيء يؤخذ بالقوة والذراع إذا فشلت الجهود الدبلوماسية وحتى قبل أن تبدأ، وأظن أن جيل الصغار هم أسرع الناس عادة لتطبيق كل جديد وتكييفه وتغييره بحيث يتماشى مع ما يريدون.
الخبر الذي نشرته إحدى صحفنا المحلية عن تزايد استخدام الطلبة للهواتف المتحركة داخل المدراس وفي قاعات الفصول، خبر جدير بالاهتمام، ليس لأنه جديد وغريب، ولكن لأن أسباب الانزعاج تستحق التوقف طويلا عندها، حتى وإن كان كثير منا سيقول بأنه ليس هناك من جديد في الموضوع، فالمهم ليس أن يكون الموضوع جديدا، ولكن في أن يعالج بعلنية وينشر على الملأ.
السكوت عن الأخطاء لا يحلها ولا يخفيها، نعم الزمن يصلح الكثير من الأشياء، لكن الزمن لا يصلح الأغلاط والانحرافات السلوكية إذا لم يتدخل أحد للإصلاح، الزمن يراكم الأخطاء ويحولها إلى ظواهر غير محمودة، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الذين يسكتون على أخطاء الطلاب ويتسترون عليها بهدف عدم فضحهم والتستر على عائلاتهم وحفظ سمعة المدرسة والمعلمون فيها و.. الخ، إنما يربون أوراما خبيثة في جسد المدرسة التي تتحرك تحت مظلة مهيبة أقرب للقداسة ترتكز على عمودين: التربية والتعليم، فأين التربية وأين التعليم من هذا التوجه.
هواتف الطلاب التي تزعج المعلمين هذه الأيام لا يقصد منها الهاتف كجهاز حتما، لكنه الهاتف بما يحويه، انطلاقا من حقيقة إعلامية متعارف عليها، هي أن الوسيلة هي الرسالة والمضمون، وجهاز الهاتف الذي يستقر بين أيدي وفي جيوب أبنائنا، بمجرد أن يحوي صورا إباحية ومشاهد فاضحة، ويتحول إلى أداة للغش المبرمج بكتابة المادة العلمية وتخزينها فيه، هذا الهاتف ينتقل من حقيقة كونه جهاز اتصال إلى إداة تخريب مقنن بعلم وموافقة الأهل والمعلمين الذين لا يبذلون جهداً تربوياً وتوجيهياً للتأثير على سلوكيات أبنائهم وطلابهم وتغيير قناعاتهم هذه إلى قناعات أكثر إصلاحاً أو معقولية.
الدخول على المواقع المحظورة بأمر “اتصالات” أصبح سهلاً على أبنائنا بسبب ذكائهم أحيانا وبسبب “شقاوتهم” أحياناً وبسبب السادة موظفي إصلاح أجهزة الكمبيوتر الذين لا يتورعون، لقاء مبالغ زهيدة، عن تزويد هؤلاء الصغار بأرقام كسر البروكسي أو الحظر الذي تفرضه “اتصالات”، ولا تقولي لي إن الحظر ضد الحرية أرجوكم، فما يعج به الإنترنت من مصائب تجعلني أكفر بهكذا حرية، دون أن أتنازل دقيقة عن تقديسي لسمو الحرية التي تم استغلالها خطأ وتوظيفها زوراً.
المطلوب ليس فضح أحد، ولا النيل من سمعة أي طرف، لكن المطلوب أكثر أن تظل المدرسة مكاناً أصيلاً للتربية والتعليم، لا ساحة إثبات لتخلي الكثير عن تربية أبنائهم، ولابأس بأن تحاول الأم أو الأب الاطلاع على محتويات هاتف ابنهم أو ابنتهم، فهذا من حقهم حتى وإن صرنا اليوم نلاحظ انعكاس الآية فتخاف الأم من إغضاب ابنتها وصراخ ابنها في وجهها إذا ما تدخلت فيما يعتقدونه حرية شخصية، الأفلام الإباحية صارت حرية شخصية لدى بعض مراهقينا .. لا تعليق !!
– عن الاتحاد