
مجلس التعاون وتحديات المستقبل
د. فاطمة الصايغ
يعد الاتحاد الأوروبي اليوم أنجح تجربة سياسية واقتصادية في عالمنا المعاصر من حيث القوة والتطبيق والتنافسية، ومن حيث عدد الأعضاء الذين انضموا إلى الاتحاد، ومن حيث الفرص المتوافرة والمزايا التي يحصل عليها الأعضاء في ذلك الاتحاد
. وعلى الرغم من غياب مقومات عديدة يرى البعض أنها مهمة في قيام أية وحدة، كاللغة المشتركة والقرب الجغرافي والأواصر الاجتماعية، وغيرها من المقومات، إلا أن الاتحاد الأوربي استطاع أن يهمش كل ذلك، ويجعل من المصالح المشتركة للدول الأعضاء الهدف الرئيس،.
ويبرز للعالم ليس فقط كقوة اقتصادية رئيسية، بل كلاعب سياسي مؤثر على الساحة الدولية. فلم يعد التعدد اللغوي الذي تتميز به أوروبا حاجزا، ولم يعد الاختلاف الاثني مانعا، ولم يعد اختلاف المستويات الاقتصادية والخلفيات السياسية والإيديولوجية عائقا في سبيل استكمال تلك الوحدة، بل جيرت كل تلك الفروقات لتشكل رصيداً ثقافياً مهماً أضفى على الاتحاد الأوروبي الكثير، وكان عاملا مؤثرا في دفع عجلة التعاون والتكامل بين الدول الأعضاء.
نجاح التجربة الأوروبية كان دافعا للكتل الأخرى الراغبة في إنشاء كيانات مماثلة وقوية ومتألقة على الساحة الدولية لجعل ذلك الاتحاد أنموذجا يُحتذى به. ولعل هذا النجاح كان دافعا أيضا لدول مجلس التعاون لتحتذي بالاتحاد الأوروبي وتوسع رقعة المجلس بقبول أعضاء جدد فيه، لأن الكيان القوي هو الكيان القابل للتطويع ومواكبة المتغيرات الإقليمية والدولية.
. وعلى الرغم من أن تجربة مجلس التعاون أقدم من تجربة الاتحاد الأوروبي، إلا أن المقاربة بين التجربتين تفرز العديد من نقاط التشابه، وكذلك الاختلاف. فمجلس التعاون، مثلاً، لا يرى أية غضاضة في أن يقتبس بعض الأفكار الجيدة القابلة للتطبيق من الاتحاد الأوروبي، وفي إمكان الكيانين التشاور بما يخص المستقبل لمعرفة التحديات التي تواجه الكيانات المماثلة.
ومؤخرا أعلن عن ترحيب دول مجلس التعاون بقبول عضوية كل من المغرب والأردن لمجلس التعاون. ولا شك في أن انضمام هاتين الدولتين يشكل رصيدا سياسيا واقتصاديا وعسكريا وأمنيا واستراتيجيا قويا لمجلس التعاون.
فتشابه وتماثل الأنظمة السياسية بين هذه الدول جميعها وسياساتها المعتدلة تمهد لقيام كتلة معتدلة في العالم العربي، خاصة بعد التغيرات الجوهرية التي طالت البنى السياسية للعالم العربي في الآونة الأخيرة. كما أن الروابط التاريخية التي تربط الأردن بشبه الجزيرة العربية عميقة وقوية وترجع إلى قرون طويلة ماضية، أما تلك التي تربط دول المجلس بالمغرب فهي أيضا متجذرة في عمق التاريخ.
سكانياً، يشكل كل من المغرب والأردن قوة مؤثرة، وانضمامهما للمجلس يشكل رصيدا لدول المجلس التي تعاني أصلا من خلل سكاني كبير بين نسبة المواطنين والوافدين.
. لذا سوف يصبح المجلس بانضمامهما أكبر قوة سكانية عربية، وأكبر قوة من ناحية التنوع الاقتصادي والجغرافي في المنطقة العربية. ولكن ما هي أهم تحديات البقاء والاستمرارية التي تواجه عادة مثل تلك الكتل الكبرى كالاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون؟ وكيف يمكن التصدي لها؟
لا يخفي على أحد أن مولد الاتحاد الأوروبي واتساع عدد أعضائه لم يكن أبدا سهلا. فقد واجه الاتحاد الأوروبي، ولا يزال يواجه العديد من التحديات الحضارية والثقافية.
هذه التحديات متمثلة في التعدد اللغوي وفي اختلاف الاثنيات واختلاف المواقف والخلفيات الإيديولوجية، وحتى الاختلاف في النظرة تجاه الآخر. فمثلا، تختلف النظرة والمواقف تجاه الأقليات التي تقطن دول الاتحاد الأوروبي من دولة إلى أخرى. ولكن هذا الاختلاف لم يرق يوما إلى مستوى الخلاف.
فقد اعتبرت أوروبا أن الاختلاف ظاهرة صحية، وأنه أحد إفرازات المجتمعات الديمقراطية. ولكن على الرغم من الاتفاق على الأساسيات، إلا أن هناك قلقا كبيرا في كل دولة أوروبية تقريبا بما يخص الهوية الاجتماعية والخصوصية الثقافية ومحاولات الاندماج والتكامل مع الأعضاء الآخرين. فمثلا، هناك قلق في بريطانيا مرده عدم الإقبال على تعلم اللغات الأوروبية بين البريطانيين، .
وخاصة بين الأجيال الشابة. فقد بينت الإحصاءات بأن أعداد البريطانيين الذين يقبلون على تعلم اللغات الأوروبية انخفضت من 61٪ في عام 2005 إلى 44% في عام 2010، وهذا ما تراه بريطانيا يؤثر في قدرة البريطانيين على المنافسة في سوق العمل في السوق الأوروبية المشتركة.
. فبينما يقبل الدارسون في دول الاتحاد الأوروبي على تعلم الانجليزية من بين الثلاث أو الأربع لغات الإلزامية التي يقبلون على دراستها، ينخفض هذا العدد في بريطانيا كثيرا، الأمر الذي يؤثر في قدرة العمال البريطانيين على المنافسة في سوق العمل الأوروبي. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال بريطانيا محافظة على عملتها على الرغم من تبنى العملة الأوربية الموحدة.
وكالاتحاد الأوروبي، فإن مجلس التعاون الخليجي، بانضمام المغرب والأردن، سوف يواجه بعض التحديات، كما تطرح هذه القضية الآن العديد من التساؤلات. فعلى الرغم من أن أعضاءه سوف يتحدثون لغة واحدة، وهو الأمر الذي يجعل من تلك الوحدة الخليجية المزمعة أمر أسهل بكثير من الاتحاد الأوروبي، ألا أن هناك تساؤلات عديدة، من بينها مسمى المجلس، بمعنى هل سيظل خليجيا أم عربيا؟.
تساؤل آخر يتعلق بمدى مواءمة الأنظمة والقوانين في كل من المغرب والأردن مع قوانين دول الخليج. هناك أيضا تساؤل ثالث يتعلق بالأوضاع الاقتصادية والبطالة في كل من المغرب والأردن وانعكاساتها على دول الخليج. وأخيرا سؤال يتعلق بالثقافة الاجتماعية، والتي تتعلق بمدى مواءمة ثقافات تلك الدول مع الثقافة الاجتماعية السائدة في مجلس التعاون الحالي؟
في الخليج لم يمهد لهذه الوحدة من قبل، ولم تعط شعوب الخليج فكرة واضحة عن ماهية هذا الاندماج، وهل هو وليد المتغيرات العربية أم رغبة حقيقية من قبل تلك الدول في الانضمام؟.
كما لم توضح قضية التباعد الجغرافي الكبير بين هذه الدول وتأثيراته في اتفاقية الدفاع المشترك وانتقال السلع وفتح الحدود وسهولة الاتصال. هذه التساؤلات مطروحة للنقاش حالياً، ومن حق شعوب الخليج أن تعرف الإجابة الرسمية عنها، .
وأن تقول أيضا رأيها فيها بصورة أو بأخرى. هذه التساؤلات ستطرح نفسها قريبا، ويجب أن تتوافر لها الإجابة قبل الشروع في وضع أساسيات العضوية للدولتين. فمن المؤكد أن مستقبل مجلس التعاون هو الانفتاح على الآخر، ولكن من حق الشارع الخليجي أيضا أن يقول كلمته.
– عن البيان