
من دكتور إلى ليلام
عائشة الكعبي
اضطررت أثناء فترة دراستي بالولايات المتحدة للتعامل مع المستشفيات لفترة ليست بالقصيرة، وكنت في تلك الأثناء من المصدقين بأننا كإماراتيين نتمتع بخدمات صحية ممتازة، وإذا سئلت من قبل “الأمريكان” عن مستوى الخدمات الصحية في بلادي أجيب بأن لدينا أفضل المستشفيات . لكن بعد عودتي واضطراري لاستكمال العلاج في مستشفياتنا المحلية أدركت أنني كنت متفائلة أكثر من اللازم، ورغم أننا نمتلك أفضل المستشفيات وربما أفضل الأجهزة، إلا أننا لم نستقطب الكادر الطبي اللائق بطموحاتنا كدولة تتطلع إلى أن يكون التميز شعارها في كافة مؤسساتها الخدمية .
فلو أننا استطعنا تطوير القطاع الصحي كما استطعنا تطوير القطاع الفندقي لما دفع مواطنونا المبالغ الضخمة للسفر إلى الخارج بغية العلاج، وفي بعض الأحيان لمجرد الحصول على تشخيص موثوق لما يعانونه من أمراض .
الغريب أنه لا يوجد بيننا تقريباً من لم يلدغ من جحر الأطباء أو من بات يخشى التعامل معهم ويدعو الله ألا يضطره لزيارتهم . وإذا كان هناك درس تعلمته من تعاملي الطويل مع الأطباء فهو ألا أذعن لكلامهم وكأنه مقدس وأن أستشير أكثر من طبيب لعل أحدهم يلتفت إلى ما غفل عنه آخر . ولو سردت عليكم المواقف التي تعرضت لها شخصياً لاحتجت إلى تأليف كتاب لكنني سأكتفي بشهادة إحدى الأمهات التي تعرضت طفلتها لتشخيص خاطئ بسبب خطأ أربعة أطباء (دفعة واحدة) في قراءة نتيجة التحاليل، وللعلم فإن إحداهم استشارية أوروبية تتقاضى راتبا خرافياً لا يحلم به أي طبيب مواطن، ولولا لطف الله بهم ووعي الأم الذي دفع بها للذهاب شخصياً للمختبر للتأكد من نتائج التحاليل لما اكتشفت إهمال هؤلاء الأطباء الذين لا يمتلكون أقل المعايير الإنسانية للتعامل مع المريض وأهله ، فهم- والكلام لأم المريضة يتعالون على الناس ويعاملونهم كأنهم زمرة من الأغبياء، فلا يتكبدون عناء شرح الحالة للمريض أو ذويه ويتضايقون من كثرة الأسئلة والاستفسارات ولا يأخذون وجهة نظر الأهل في الحسبان حتى وإن كان الأهل من العاملين في الحقل الطبي .
وهنا أتذكر كلمة كان جميع الأطباء يرددونها على مسمعي في الولايات المتحدة وهي “الآباء هم الخبراء” . فالطبيب هناك يمنح الكثير من وقته للاستماع إلى ذوي المريض كونهم الأدرى بحال طفلهم والأقدر على رصد أي تغيرات قد تساعدهم على التوصل إلى التشخيص الصحيح لحالته . وهذا ما كان يطبقه بعض الأطباء الذين حصدوا حب الناس وثقتهم في الإمارات، لكن ما أن يطرق الإعلام بابهم ويقصدهم كبار القوم حتى تجدهم افتتحوا عياداتهم الخاصة وسدوا أبوابهم أمام مرضاهم القدامى ليتحول أحدهم من طبيب إلى “ليلام”* للزبائن ال VIP .
* الليلام هو البائع المتجول باللهجة المحلية
– عن الخليج