د. فاطمة الصايغ

قال أحد الأدباء العرب: «أهمية التاريخ تكمن في أنه يذكرنا دوماً بمصيرنا ونحن نرى قادة حكموا وزالوا وأنظمة زالت بعد أن كانت تملأ الدنيا ضجيجاً وأوضاعاً انقلبت رأساً على عقب بعد ثبات». التاريخ يذكرنا دوماً بحالة عدم الثبات حتى مع الثبات نفسه، وبحالة التغير حتى مع الاستقرار.

في أحد دروس التاريخ مع طلبتي كنا نناقش الأوضاع الاقتصادية في الإمارات قبل النفط وبالتحديد اقتصاد اللؤلؤ، وتطرقنا إلى موضوع اختفاء اللؤلؤ الطبيعي من بحارنا بعد أن كان اللؤلؤ عصب الحياة ومسيرها. فبعد أن كانت بحارنا تنتج أجمل وأثمن اللآلئ في العالم أصاب تلك البحار اليباب والبور وأصبحت خالية من تلك الجواهر النفيسة التي كانت تزين تيجان الملوك ورقاب الحسان في العالم وتنافس عليها أباطرة وملوك وأمراء.

اختفاء اللؤلؤ الطبيعـي سـدد ضربة قاضية ليس فقط للحياة الاقتصادية للإمارات ودول الخليج بل ضربة سياسية واجتماعية وثقافية لتلك الدول. فبعد أن كان تجار اللؤلؤ مركز الحياة المجتمعية ومصدر قوة أصبحوا على الهامش. وأصبحت قصص حياتهم وأيامهم عبرٌ يتداولها الناس كرمز لحالة عدم الثبات. وتضرر ليس فقط غواصو اللؤلؤ بل حتى الحكام الذين عاشوا على الضرائب التي يقوم بدفعها تجار اللؤلؤ.

أسباب اختفاء اللؤلؤ عديدة يأتي على رأسها التلوث الذى أصاب بحارنا منذ أن بدأت البلدان المطلة على الخليج بتصدير البترول. فقد كانت ناقلات النفط تدخل مياه الخليج محملة بمياه ثم تقوم بإفراغ حمولتها من المياه الملوثة في الخليج لتحمل بعده النفط. هذه العملية أدت على المدى الطويل الى تلوث مياه الخليج والقضاء على العديد من الكائنات البحرية والفطرية التي لم نعد نسمع عنها.

من هذه الكائنات التي تم القضاء عليها اللؤلؤ الطبيعي الذي عاش لقرون في مياهنا وعرفت المنطقة من أبوظبي إلى البحرين بأنها تنتج أجمل اللآلئ في العالم. لم نعد نملك من ذلك اللؤلؤ إلا مجموعات صغيرة حفظها لنا بعض تجار اللؤلؤ فأصبحت اليوم تمثل ثروة قومية.

اللؤلؤ الطبيعي واختفاؤه يشبه اليوم ثروات طبيعية وبيئية كثيرة نملكها ولا نستطيع الحفاظ عليها، بل نعرضها للهدر أو سوء الاستغلال. وعلى الرغم من تنامي الوعي البيئي عالمياً ومحلياً إلا أننا ما زلنا بحاجة إلى وعي أكثر للتعامل مع المصادر الطبيعية والبيئية من حولنا وللتعامل مع الأخطار التي تهددها.

ويمكن أن تكون من أهم مصادر القلق لدينا أننا نعيش في مجتمع تشاركنا فيه العديد من الجنسيات والخلفيات والتي لا يمتلك بعضها أدنى وعي بيئي. وعلى الرغم من تحرك الجهات المسؤولة لتنظيم الأوضاع .

وعدم ترك الحبل على الغارب، عن طريق اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية المصادر الطبيعية والبيئة كالسطوح الخضراء مثلاً أو الاشتراك بيوم الأرض ويوم الكوكب أو الجمعيات البيئية أو أصدقاء البيئة، إلا أن تلك الإجراءات البسيطة وحدها غير كفيلة أو كافية لحماية بيئتنا ومصادرنا الطبيعية من الهدر والاستنزاف. فالاستنزاف في تزايد وكذلك الهدر في الطاقة والمياه.

خططنا التنموية المستقبلية كبيرة وتتضمن مشاريع تنموية كبيرة ومشاريع عقارية عملاقة تحتاج إلى مساحات كبيرة من الأرض ومصادر طاقة ضخمة ومصادر مالية كبيرة. نحتاج إلى جرف مساحات من التربة لتهيئتها لتحمل القادم من المشاريع فوق الأرض وتحتها، نحتاج إلى طاقة لكي نجعل من تلك المشاريع تعمل حسب الطلب العالمي، نحتاج إلى قوة وطاقة هائلة .

ومصادر مياه ضخمة لكي نواكب العصر بل نحتاج إلى ردم مساحات من البحر وضمها إلى الأرض حتى نحصل على مساحات كافية لاحتضان مشاريعنا العملاقة. كل تلك الخطط تتطلب المزيد من الاستنزاف الطبيعي والبيئي حتى لو تطلب الأمر القضاء على مصادر بيئة وحياة فطرية موجودة لدينا.

أهمية التاريخ تكمن في أنه يقدم لنا دوماً أدلة قوية على حالة عدم الثبات والتغير وزوال النعم ان لم يتم الحفاظ عليها وتنميتها وحفظها للأجيال التي سوف تأتي من بعدنا. وكما حدث في الماضي عندما زال اللؤلؤ وأثر على الحياة بأسرها مخلفاً آثاراً سياسية واقتصادية واجتماعية هائلة يمكن أن تحدث هزات تؤثر على حياتنا بأسرها مخلفة هزات مماثلة. فالطبيعة لا ترحم في الكثير من الأحيان من يتعامل معها بدون حكمة.

إن أهمية تنمية الوعي البيئي عملية مهمة تماماً كالتنمية السياسية والتنمية الاجتماعية بل يجب أن تواكبها. فكما نهتم بوجود وعي سياسي واجتماعي واقتصادي يجب العمل على تنمية الوعي البيئي لدى الأجيال الجديدة. وأن لم نقوم بهذا فنحن شركاء في جريمة كبرى ألا وهي الإساءة إلى أمنا الطبيعة وسلبها أبسط حقوقها.

-البيان