مريم الساعدي

ما إن دلفنا وصاحبتي إلى مقهى جديد عليها حتى بادرتني هامسة «هل أنت متأكدة أنه ليس مكاناً مشبوهاً؟!»، انتظرت قليلاً لأتأكد أني سمعتها جيداً. ثم نظرت حولي لأستوعب ما الذي جعلها تفكر بذلك. رأيت ناسا عاديين يجلسون على طاولات المقهى في الخارج والداخل، الشمس مشرقة فهي الساعة العاشرة صباحاً، المقهى في حي راقٍ وسط المدينة، ونحن ذاهبتان لنتناول إفطارنا. تأملتُ الناس أكثر؛ كلهم يجلسون باحتشام لاشيء فيهم أو حولهم يثير الشبهة، كثير منهم موظفون في استراحة كما بدا من بطاقات عملهم المعلقة على قمصانهم. يتناولون إفطارهم بهدوء، وبعضهم يقرأ الجرائد مع تناول فنجان قهوة. ما الذي أدخل فكرة الشبهة في رأسها؟.

الحكاية أنها لم تخرج لأماكن جديدة منذ وقت طويل. وهكذا الكثير من الناس، يغلقون على أنفسهم أبواب الحياة خشية الوقوع في الشبهة.

كم من المفاهيم المسبقة تمنعنا من الإقدام نحو فرصة جديدة أو اكتشاف مكان جديد أو تقبل إنسان جديد في حياتنا. تلك المفاهيم التي تفترض أن الشر يكمن في المختلف والغريب بالضرورة. وأن حادثاً مؤسفاً سيحدث لنا حتماً لو أخذنا طريقاً جديداً غير المعتاد. التفكير أن الأسوأ قد يقع مع كل مغامرة صغيرة جديدة يحدد احتماليات الحياة الأوسع. احتمالات أن نلتقي بمن ينتمون للروح، وأن نرى ما يبهج الروح، وأن نعرف ما ينعش الروح.

وجدتني أترك تناول إفطاري وأقول لها «لماذا تفترضين الأسوأ؟ الحياة مفتوحة، هناك احتمالات السوء صحيح، لكن الأساس أن الأمور بخير. انظري حولك، أين الشبهة في المسألة؟!».

قالت «لا أعرف»، وهي تقلب نظرها في فتيات أجنبيات يجلسن بقربنا. كن فتيات أنيقات لسن عاريات. قالت سياسة الانفتاح هذه لا تعجبني كثيرا. وسمعت هذا التعليق من الكثيرين، البعض يجد وجود الأجانب غير مريح. وأراه دليل عافية. فحين تكون أرضك منفتحة يطمئن إليها الآخر يعني أنك تعيش بسلام وأنك مسيطر على الأوضاع وأن فيها فرصاً كثيرة للعمل والحياة. واختلاط الثقافات ينتج ثقافة أكثر غنى وثراءً. لماذا نخاف ومم نخاف؟، يقولون على الهوية الوطنية. ولكن لنفكر قليلاً، ماذا تعني الهوية؟ هل هي الملابس التقليدية والطعام التقليدي واللهجة المحلية وبعض الألعاب والرقصات الشعبية؟ كل هذا جزء من عادات وتقاليد توارثناها ولكن الهوية الحقيقية هي نحن. تموت إذا متنا نحن فقط. وتزدهر إذا ازدهرنا معها. هويتنا في اندفاعنا نحو العالم بكل أشكاله وأطيافه فنرى ونسمع ونعرف ونفهم وتتسع الرؤية وينجلي البصر ويتسع الأفق ويبعد التفكير. هي كيف نفكر وكيف نكون. هي وجودنا الشخصي الواثق اللا منهزم أمام الجديد والمختلف.

صحيح أن إغلاق النوافذ يحافظ على نظافة البيت من الغبار والذباب ولكنه أيضا يخنق أجواء البيت فيفسد هواءه من قلة التجديد. افتح نوافذك لتدخل إلى البيت الشمس والضوء والهواء والحياة، ومع انتباهك لأسباب النظافة لن يتمكن الذباب من الدخول إليك، وإن دخل ستعرف كيف تتخلص منه سريعا.

كم نحرم أرواحنا من تنويرات حقيقية بخوفنا الدائم على أنفسنا من التلوث. التلوث بما قد يحمله الآخر المختلف من جراثيم لو صافحنا يده الممدودة للسلام، غافلين عن إمكانية أن يضع في كفنا نجوماً صغيرة تنير درب الحياة أكثر.

– الحياة