الفجيرة نيوز- (من يعقوب علي) شكل العثور على قطع برونزية تحمل تماثيل لثعابين باحدى المزارع في منطقة مسافي بأمارة الفجيرة بداية لعمليات تنقيب استمرت لاكثر من سبع سنوات لتكشف وجود معالم حضارة متكاملة تنام بين احضان الطبيعه الساحرة للمدينة، التي تحظى بتضاريس جبلية قاسية.

وكشفت عمليات التنقيب التي أجرتها هيئة الفجيرة للسياحة والآثار بالتعاون مع بعثة الآثار الفرنسية بالمنطقة عن اكتشاف عدد من المعالم التي تشكل مستوطنة بشرية، ولعل إكتشاف المعبد يعد دليلاً امام البعثة للبحث عن عناصر اخرى تكمل قصة الحضارة القاطنة في تلك المنطقة، وهذا ما تحقق فعلاً بعد أن توصلت البعثة الى اكتشاف عدد من المواقع التي مثلت احداها مستوطنة سكنية بالاضافة الى معالم تحصين دفاعي، وافلاج مياه، مما يمهد للتوصل الى اكتشافات جديدة تمهد لتشكل منطقة اثرية جديدة ، تؤكد عراقة المنطقة وحقيقة استيطانها منذ الاف السنين.

وتشير المعطيات التي وفرتها تلك العمليات أن تاريخ المستوطنه يعود الى عصر الحديد الثاني( 1100 – 600 ق م).حيث تم الكشفت عن مبنى محصن يتمتع بمكانة سياسية وادارية قوية، ويقع بداخلها معبد قديم يؤكد العلاقة الازلية بين السلطات الدينية وانظمة الحكم والادارة، في حين شكل وجود السور المحصن الذي يمتد الى اكثر من 500 متر دليلاً واضحاً على وجود نوع من التحصين الدفاعي لحماية المنطقة من الناحية الغربية بامتداد وادي السيجي.

واستمرت اعمال التنقيب في المنطقة بعد تلك الاكتشافات التي اوضحت البعد التاريخي للمنطقة وقد شكل اكتشاف معبد يرجع تاريخه الى العصر الحديدي دليلاً قاطعا ًالى مدى العلاقة الحميمة بين السلطة الدينية والدنيوية على الاقل في شكلها الرمزي الذي يوفر نوعاً من الشرعية للانظمة الادارية.

وضم المبنى قاعة كبيرة ذات أعمدة خشبية لكل عمود قاعدة مشيدة من قطعة حجر كبيرة واحدة تدعمها حشوة من احجار اصغر وتتكون الأعمدة من اربعة صفوف في كل صف منها خمسة اعمدة .

ويقع الموقع المكتشف داخل احدى مزارع النخيل في المنطقة، وقد اجريت فيه تنقيبات اثرية مواسم عامي ( 2009 – 2010 ) وتأكد للمنقبين انه يمثل مبني كان مخصصا للعبادة ، وقد استدل على انه معبد من خلال تماثيل البرونز التي تمثل ثعابين ، وكذلك جرار الفخار المزينة برسومات الثعابين ، يذكر انه كان يرمز بالثعبان الى الحياة الروحية التعبدية ، ويرمز به ايضا الى الحياة والنماء.

كما كشفت أعمال التنقيب عن مبنيين من تحت هذا المبني الحجري بنيا من الآجر او الطوب الطيني المحروق، وبهذا يكون الموقع مشتملا على ثلاثة أطوار من البناء متعاقبة فوق بعضها البعض ، وقد بدا واضحا للمنقبين مدي التطور الذي طرأ على أساليب البناء ما بين طبقة الآجر الاولي وطبقتي الحجر الأحدث عهدا .

يذكر أن بعثة الآثار الفرنسية التابعة للمركز العلمي الوطني الفرنسي ( CNRS ) بوزارة الخارجية الفرنسية ظلت تعمل في مجال المسح والتنقيب والبحوث الأثرية في امارة الفجيرة منذ عام 2001 بموجب إتفاقية تبادل وتعاون ثقافي مشترك.

ويعود تاريخ عمليات التنقيب في موقع مسافي الى العام 2003 بعد ان تم اكتشافه بواسطة بعثة الآثار الفرنسية ، وقد بدأت فيه أعمال الحفر الإختبارية والتحري الأثري في فبراير 2007 لمدة شهرين وقد أسفرت تلك الأعمال عن نتائج مشجعة تقرر على ضوئها أن تتواصل مواسم التنقيب في هذا الموقع الهام لعدة سنوات نظرا لأهمية الموقع التاريخية والحضارية وكبر مساحته وثراء موجوداته الأثرية .

وفي موسم ( 2007 – 2006 ) تمكنت البعثة الفرنسية من تحديد المزيد من الآثار الواضحة لحضارة عصر الحديد على مساحة واسعة في الجزء الجنوبي الغربي لمنطقة مسافي السكنية ، وامتدت مظاهر آثار عصر الحديد جنوبا حتى الشارع الرئيسي الرابط ما بين مسافي والذيد، بالاضافة الى بعض المواقع الاسلامية المتأخرة المنتشرة في النصف الجنوبي لمزارع النخيل، وقد بلغ عدد مواقع عصر الحديد اربعة مواقع رئيسية.

يقع الاول الى الغرب من قرية مسافي امام مزارع النخيل على سهل منبسط في حين يقع الموقع الثاني على بعد 300 م من مسافي باتجاه الشمال الغربي ويمثل مبني محصن بني عند منحدر جبل صخري وقد بدأت اعمال التنقيب فيه العام 2010.

اما الموقع الثالث والذي شكل مستوطنة سكنية تقع في الجانب الشمالي عند منحدر جبل محاذ للشارع الرئيسي في مسافي، وتشير كسر الفخار المكتشفة فيه الى انه يعود بتاريخه الى فترة عصر البرونز المتأخرة ” الألف الثاني قبل الميلاد “.

واشتملت عمليات التنقيب على التنقيب في الفلج الذي تم اكتشافة في موسم 2010 لتحديد امتداد القناة المائية والوصول الى مصادر الماء، بالاضافة الى التنقيب في الجزء الشرقي لمتابعة الجدار السميك ومعرفة طبيعة وماهية هذا الجزء من المبنى.

وقد افرزت نتيجة اعمال هذا الموسم نتائج مرضية تمكن الباحثون من خلالها من معرفة تاريخ الفلج الكائن في موقع مسافي ( 1 ) على نحو دقيق وانه يعود الى فترة عصر الحديد الثانية بحدود ( 1100 – 600 ق م ) وان هناك ثمة معلومات تعين على معرفة ومتابعة التطور بشكله العام في عموم المنطقة ابان حقبة عصر الحديد الثانية ، وامكانية تحديد مصادر الماء الذي كان يرد الى الفلج في ذلك الزمان .

وفي موقع مسافي ( 2 ) تواصلت اعمال التنقيب في الجزء الشمالي المنخفض من الموقع كما فتحت حفرية اثرية اخرى اعلى الجبل حيث توجد بعض ابنية محاطة بالسور الشمالي المحصن وفي المستوطنة المحصنة عكست معطيات التنقيب عن مبني محصن يتمتع بمكانة سياسية وادارية قوية ، وان تاريخها يتطابق مع تاريخ البناية العامة والمعبد في كل من مسافي ( 1 ) ومسافي ( 3 ) . بالرغم من ان هجر واخلاء هذا المبني المحصن يبدو قد تم اولا ولعل وجود السور المحصن الذي يمتد الى اكثر من 500 متر انما يشير الى ضرورة حماية المنطقة من الناحية الغربية بامتداد وادي السيجي .

اما موقع مسافي ( 4 ) فقد تم فتح مجس اختباري عند النهاية الشرقية للجبل الصخري لمعرفة طبيعة المبنى وتاريخه وحجم الاجزاء المتبقية منه.كما تم الكشف عن مبنى ينطوي على قدر كبير من الاهمية وان كسر الفخار التي عثر عليها فيه تؤرخه بالعصر البرونزي المتاخر ( الالف الثاني قبل الميلاد ) وبهذا يكون أول موقع من نوعه يقع بعيدا عن الساحل ، فجميع مواقع العصر البرونزي المتأخر تقع على الساحل كمواقع ( شمل في رأس الخيمة وتل أبرق بام القيوين ومستوطنة كلباء ودبا الفجيرة ) .

ولعل وجود هذا الموقع الكبير بعيدا عن الساحل ووسط الجبال كأول موقع من مواقع العصر البرونزي المتأخر ، ما يميز منطقة مسافي وما تتمتع به من مياه وفيرة تتدفق على مدى العام ، وأراضيها الخصبة ومنتجاتها الزراعية ومركزها التجاري الهام الذي جعلها منطقة يتصارع عليها الجميع للسيطرة على الزراعة والتجارة وقد دلل على ذلك آثار الحريق والتخريب الظاهرة على ابنية المواقع كتجسيد حي لهذا الصراع والهجوم الذي كانت تتعرض له منطقة مسافي بدافع الطمع في مقدراتها وثرواتها الطبيعية .

واشر التقرير الاولى للبعثة الفرنسية المتخصصة في حضارة عصر الحديد قد بدأت أعمالها بمنطقة البثنة في مواسم ( 2001 – 2005 ) مستكملة بذلك أعمال البعثة السويسرية التي عملت من قبل في الامارة خلال الفترة من ( 1987 – 1994 ) وأسفرت نتائج أعمالها عن تحديد كثير من المواقع الأثرية على الساحل والمناطق الجبلية الداخلية ، وقامت بتنقيب موقعي مدفن البثنة الجماعي المخطط على شكل حرف ( T ) والذي قدر تاريخ بنائه بالألف الثاني قبل الميلاد ولكنه ظل يعاد استخدامه خلال الألف الاول وحتى القرون الميلادية الاولى ، وموقع حصن المضب الذي ينتسب الى فترة عصر الحديد.