بين الربيع العربى وأم كلثوم الحاضر الغائب وقضايا المرأة الشائكة دارت أحداث العروض المسرحية التى شاركت فى الدورة الخامسة لمهرجان الفجيرة الدولى للمونودراما، وكذلك لم تخل الندوات التى أقيمت على هامش المهرجان من تلك المفردات. ثورات الربيع العربى كانت المحور الأساسى للعرض المسرحى السورى «سوناتا الربيع» تأليف جمال آدم وإخراج ماهر الصليبى وبطولة مازن الناطور، العرض كان يتناول معاناة الشعب السورى ضد قهر وظلم وفساد النظام الحاكم والذى كان ينسحب بطبيعته على حال كل البلدان العربية التى شهدت مؤخراً ربيعاً عربياً والتى كانت لا تقل معاناة عما يحدث فى سوريا مثلما حدث فى تونس ومصر وليبيا واليمن.

العرض كان صرخة قوية فى وجه الحكام المستبدين فى محاولة للخلاص من هذا القمع الذى ظل جاثماً على قلوب شعوبهم عشرات السنين وهو ما ترجمه المشهد الأخير من العرض المسرحى وهو مشهد الخلاص عندما دمر فيه البطل جدران البيت مشبهاً إياه بانهيار الوطن.

أما قضايا المرأة الشائكة فتجسدت فى كثير من العروض المسرحية سواء العربية أو الأجنبية بدأها العرض المسرحى «العازفة» الحائز على الجائزة الأولى فى مسابقة النصوص المونودرامية للمهرجان والذى أنتجته هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام، للكاتبة السعودية د. ملحة عبدالله والذى قامت ببطولته وأخرجته المغربية لطيفة أحرار، هذا العرض الذى جسد معاناة المرأة وعذاباتها الداخلية نتيجة القهر النفسى والمعنوى الذى تتعرض له سواء من المجتمع الأصغر الذى يمثل الأسرة أو المجتمع الأكبر الذى يمثل الوطن واللذين ينظران إلى المرأة نظرة دونية على أنها كائن مهمش من الدرجة الثانية. هنا تحتاج المرأة إلى الصراخ للإعلان عن ذاتها وللتأكيد على وجودها وأنها شريك أساسى فى المجتمع لا فرق بينها وبين الرجل وعلى المجتمع أن يساوى بينهما.

العرض كان جريئاً تعاطت فيه لطيفة أحرار جرعة زائدة من التحرر وكأنها اسم على مسمى. نفس الموضوع بل نفس الإيحاءات والحركات والإحساس إن لم يكن أكثر بعض الشىء عاشه جمهور المهرجان مع العرض الليتوانى «العشيق» الذى قامت ببطولته «بيروتى مار». تفوق مار فى هذا العرض جاء نتيجة الإحساس الزائد بالمعاناة ونتيجة المجهود الواضح الذى بذلته «مار» فى الاشتغال على النص بكل تفاصيله والأداء الذى أظهر إحساساً عالياً عند بطلة العرض، كل هذه المفردات هى التى جعلت من عرض «مار» نموذجاً رائعاً للمونودراما ووضعته فى مقدمة العروض وصنفته على أنه الأفضل. نفس مشاعر المرأة مع اختلاف درجة الأداء ومفردات الإخراج لمسناها فى العرض المصرى «الطريقة المضمونة للتخلص من البقع» للكاتبة رشا عبدالمنعم وبطولة وإخراج ريهام عبدالرازق. العرض كان ضعيفاً إلى حد ما ولم يكن على المستوى الذى توقعه الجمهور من عرض مصرى كبقية العروض المصرية فى الدورات السابقة، والتى كان يخرج الجمهور منها مبهوراً إلى درجة التشبع. فى هذا العرض استهانت بطلته ومخرجته ريهام عبدالرازق بالتفاصيل ولم تبذل مجهوداً واضحاً فى الأداء الذى كان أشبه بمن يذهب فى نزهة خلوية. كانت مخارج ألفاظها هى العائق الأساسى فى العمل، فصوتها لم يكن صوتًا مسرحيًا رغم تحججها بأن «النك مايك» هو العائق فى عدم وصول صوتها بوضوح للمتلقى وهى حجة يجب ألا تخرج على لسان من ارتضى الوقوف على خشبة المسرح بما يعنى أنه يمتلك القدرات والمقومات التى تجعله من الممكن أن يستغنى عن «النك مايك»، أيضاً كانت الموسيقى، رغم أنها الأفضل فى هذا العمل، صوتها أعلى من صوت الممثلة، وهو ما يعتبر عيباً فى الإخراج فكان لابد أن يتناسب صوت الموسيقى مع درجة الصوت للممثلة وأن يكون خافتاً بعض الشىء. كذلك كانت هناك مساحات فراغ على المسرح تختفى فيها بطلة العرض خلف ستار لتبديل ملابسها وهو ما لا يجب أن يكون فى عمل البطل فيه هو الممثل الواحد الذى يجب أن يكون متواجداً على خشبة المسرح طوال الوقت من بداية المسرحية إلى نهايتها. ضعف صوت الممثلة كان عائقاً أيضاً فى توصيل معنى النص وكلام النص إلى المتلقى، مما أثر على فهم المعنى والذى تسبب فى اتهام المؤلفة بأنها سطحية الحوار، أما بالنسبة للفكرة المتعلقة بقضايا المرأة فهى فكرة جيدة وهى محاولة تخلص المرأة من ديكتاتورية الرجل الذى يتعامل معها على أنها جارية لا تصلح إلا للجنس فقط.

فكرة المسرحية أكدت المؤلفة رشا عبدالمنعم على أنها فكرة حقيقية استوحتها من حادثة شهدتها الإسكندرية عندما قامت زوجة بوضع زوجها فى حامض الكبريتيك المركز للتخلص منه بعد قتله وبعد أن سقاها ألوانًا من العذاب والمعاناة. مسرحية «تلك هى النهاية» كانت ناقوساً ينبه لوجود خطر فى المجتمع الدولى سببه الإحباطات التى يتعرض لها الإنسان عندما يصدم فى العجز عن تحقيق أحلامه وتدفعه للانتحار، ولا يختلف فى ذلك المواطن الغربى عن المواطن الشرقى. بطل المسرحية الأذربيجانى تعامل مع النص بشكل جيد وحاول جاهداً التعبير عن حالة اليأس التى يشعر بها إلا أن خيوط الشخصية فى كثير من الأحيان كانت تهرب منه نتيجة انفصاله أحياناً عنها وعدم الإيحاء للمتلقى بأنه يعيش لحظة التوهان التى تسبق دائماً الانتحار، فكان أداؤه كما لو كان إنساناً عادياً لا يعانى من أية إحباطات ويعيش حالة من الهدوء والاستقرار ولا يعيش أبداً حالة من الألم واليأس.

العرض الإماراتى «اصبر على مجنونك» أظهر مواهب متميزة عند بطله أحمد مال الله مثل الغناء بصوته العذب والذى يجيد به الموال كذلك خفة الظل التى كانت واضحة فى الأداء والتى تذكرنا تماماً بأداء الرائع الراحل على الكسار ورغم ذلك كان استعجال بطل المسرحية فى لغة الحوار عيباً واضحاً أثر فى درجة الأداء بسبب لهاثه الأدائى الواضح والذى انعكس على مخارج الألفاظ وسرعة النفس التى كانت تعيقه فى تغير الصوت عندما يتبدل من شخصية إلى أخرى، ورغم ذلك كان العرض مؤشراً واضحاً لتطور المسرح الإماراتى. كان العرض الصدمة هو «كبير المحققين» للمسرحى العالمى «بيتر بروك» الذى توقع الجمهور أن يروا عرضاً فائق الروعة كاتما للأنفاس بسبب الانجذاب والمتابعة الشديدة له، لكنه كان عرضاً كتم على أنفاسهم بسبب صدمتهم من سوء المستوى. صحيح أن هناك مسرحًا لبيتر بروك يعتمد على السردية، كما كان فى هذا العرض، لكنه أبداً لم يكن عرضاً سلبياً مثلما رأيناه والذى كان عبارة عن قراءة غير مسرحية، وقد يكون السبب فى ذلك ظروف الممثل البريطانى «بروس مايرز» الذى قام ببطولة العرض والذى لم يكن متمكناً منه بدرجة كبيرة وظهر وكأنه يعطى الجمهور محاضرة ثقيلة الظل وإن كان هذا لا يقلل أبداً من قيمة «بيتر بروك» المسرحية والذى حصل على جائزة الإبداع المسرحى التى استحدثتها هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام فى مهرجانها للمونودراما هذا العام.

أما العرض الأردنى «آكلة لحوم البشر» فكان مفاجأة بكل المقاييس وتفوق فيه بطل المسرحية محمد الإبراهيمى بأداء متميز عبر فيه عن العلاقة بين المرأة والرجل سواء كان ابنا أو زوجا.

شهد المهرجان على هامشه العديد من الندوات والشهادات تكريماً لضيوفه، هذا إلى جانب الندوة الرئيسية التى أقيمت تحت عنوان «مفهوم المونودراما بين المصطلح والحداثة» والتى أدارها المسرحى الكويتى «عبدالعزيز السريع» وشارك فيها الكاتب «محفوظ عبدالرحمن» من مصر و«نضال الأشقر» من لبنان و«د. عبدالكريم جواد» من سلطنة عمان و«د. ملحة عبدالله» من السعودية، كما أقيمت ندوة عن العلاقة وكيفية التواصل بين المسرح العالمى والمسرح العربى أدارها المهندس محمد سيف الأفخم مدير المهرجان وشارك فيها كل من «توبياس بيانكونى» المدير التنفيذى للهيئة الدولية للمسرح ، والممثلة الليتوانية «بيروتى مار» والبولندية «بولا تياجوزكيوتيش» وتحدثوا فيها عن ضرورة توسيع القاعدة الجماهيرية للمسرح سواء كان مسرحاً عادياً أو مونودرامياً ليهتم به كل الجمهور فى العالم وألا يكون فقط فن النخبة، وأكدوا جميعاً أن الهيئة الدولية للمسرح تسعى لذلك من خلال مشاركتها وتعاونها مع كل الكيانات المسرحية فى العالم وخاصة الدول التى تعانى من الأمية التعليمية والثقافية، أيضاً أقيم على هامش المهرجان ندوة جمعت بين صديقى العمر «نور الشريف» و«أشرف عبدالغفور» أدارها الكاتب والشاعر الإماراتى «محمد سعيد الضنحانى» نائب رئيس هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام رئيس المهرجان، واللذين استرجعا فيها ذكرياتهما منذ أن تعارفا على بعضهما فى مسلسل «القاهرة والناس» والتى استمرت صداقتهما حتى اليوم. كشفا فيها سنوات الصعلكة عندما كانا يعيشان فى شقة واحدة بوسط البلد وكشفا فيها عن الأسباب الحقيقية وراء تغيير اسميهما، فنور الشريف كانت شقيقته عواطف هى السبب لعشقها لعمر الشريف وأشرف عبدالغفور كان المخرج الراحل «حسن الإمام» هو السبب فى تغيير اسمه بعد أن سأله ما اسمك فقال له «عبدالغفور محمد» فقال له : ده يابنى ينفع اسم مقرئ مش ممثل، فغير اسمه إلى أشرف عبدالغفور. كما أقيمت ندوات وشهادات لكل من نبيلة عبيد التى تحدثت عن عروضها المسرحية والتى كانت ضمن فرقة «تحية كاريوكا» و«فايز حلاوة» مثل مسرحية «روبابيكيا» وعروضها مع النجم الكوميدى الراحل «محمد عوض»، أيضاً أقيمت ندوة لكل من «هانى رمزى» و«عمرو سعد» والفنان السورى القدير «أسعد فضة» ونجوم العرب: «محمد المنصور، رشيد عساف، رفيق على أحمد، سلوم حداد، لطيفة أحرار».

وأقيمت ندوة تحت عنوان «قراءة شعرية للشاعر والإعلامى اللبنانى زاهى وهبى»، كما أقيم حفل توقيع لكتابى الكاتب والشاعر الإماراتى «محمد سعيد الضنحانى» الأول بعنوان «شراع السموم واليازرة» والثانى بعنوان «يا ليل ما أطولك والحفار». أما بالنسبة لسيدة الغناء العربى «أم كلثوم» فكانت هى الغائب الحاضر فى مهرجان الفجيرة الدولى للمونودراما هذا العام، حيث أعلن المسرحى العالمى «بيتر بروك» فى كلمته التى سجلها لعرضها فى حفل افتتاح المهرجان الذى حضره صاحب سمو الشيخ حمد بن محمد الشرقى عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة وولى عهده سمو الشيخ محمد بن حمد الشرقى وسمو الشيخ راشد بن حمد الشرقى رئيس هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام أنه من عشاق «أم كلثوم» وهو الصوت العربى الوحيد الذى يستمع إليه، أيضاً جاء ذكر «أم كلثوم» فى ندوة شهادات لجبرتى الدراما العربية محفوظ عبدالرحمن والذى تحدث فيها عن مسلسله الشهير «أم كلثوم» وذكرياته عنها وأنه لم يقابلها فى حياته سوى مرة واحدة وكانت بالصدفة، ولم يتعرف عليها وذلك عندما كان الاثنان يقفان على أسانسير إحدى العمارات وصعدا سوياً ولم ينتبه إليها وبعد أن غادرا المصعد سأله صديقه الذى كان معه «شفت بقى أم كلثوم وعظمتها» قال له «فين ده» فرد عليه صديقه «إيه ده، إنت ما كنتش واخد بالك إن أم كلثوم كانت معانا فى الأسانسير»؟ فلم يصدق محفوظ نفسه وندم ندماً شديداً على أنه لم ينتبه لذلك ويصافحها. أيضاً كانت «أم كلثوم» هى بطلة الحوار فى ندوتى سيدة المسرح العربى «سميحة أيوب» والفنانة القديرة «سميرة عبدالعزيز» عندما تحدثت «أيوب» عن ذكرياتها مع «أم كلثوم» أثناء قيامها ببطولة المسلسل الإذاعى «رابعة العدوية»، وهى الشخصية التى قدمتها أيضاً فى عمل مسرحى. كشفت سميحة أيوب عن بساطة أم كلثوم التى رشحتها لهذا العمل، بل الأكثر من ذلك أن أم كلثوم كانت تحضر بنفسها تسجيل المسلسل وتقف لها على باب الاستوديو مع نهاية كل تسجيل بكوب الليمون، كذلك تحدثت «نبيلة عبيد» فى ندوتها عن نفس الشخصية «رابعة العدوية» التى قدمتها فى أول فيلم سينمائى لها وعن صعوبة الدور خاصة أن التى تغنى فى الفيلم هى واحدة بحجم «أم كلثوم». أما المفاجأة فهى التجربة التى قدمها الممثل الكويتى عبدالعزيز حداد وهى تجسيد لقصيدة «قصة الأمس» لأم كلثوم من خلال مسرحية «أنا لن أعود إليك» والذى حول فيه كلمات الأغنية إلى لغة حوار.

اليوم يشهد مهرجان الفجيرة الدولى للمونودراما حفل الختام والذى يكرم فيه ضيوف المهرجان الذى وصل عددهم إلى مائتى شخصية مسرحية «ما بين تمثيل وإخراج وتأليف ونقد» من 34 دولة عربية وأجنبية ويتم منحهم درع وشهادة تقدير المهرجان، التى يقوم بتسليمها الشيخ راشد بن حمد الشرقى رئيس هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام وسعادة محمد سعيد الضنحانى، نائب رئيس هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام رئيس المهرجان، وسعادة محمد سيف الأفخم مدير المهرجان.

– عن روز اليوسف المصرية