لا تمثل زيارة جناح البيئة البدوية في «أيام الشارقة التراثية الـ18» مجرّد سياحة لالتقاط الصور، بل تمنح الزائر فرصة لتثبيت الزمن وإعادة اكتشاف الذات الإنسانية في أبهى حالات بساطتها، فكلما تخفف الإنسان من الاحتياجات واكتفى بضروريات الحياة، كما تصورها حياة البادية، تزيد مساحة الشعور بحميمية المكان وبجماليات القيم التي تنتجها البيئة من حوله.

على يمين المدخل الذي يقود الزائر إلى نبض مجتمع البداوة الأصيلة، يقف راعي الإبل إلى جانب ناقته، يتبادل معها الصبر ويتأمل الوجوه بفراسته المتوارثة. ولا ضجيج في مضارب البادية، لأن في الصمت حكمة، ولأن القهوة تنتظر على نار هادئة، بالقرب من البساط المغزول من شعر الماعز. ومن تلك الخيوط أيضاً يغزل «الزريول» الذي يلبس في القدم لاتقاء حرارة الرمال، ويصنع الخزام الذي يوضع على الرأس مثل العقال لتثبيت الغترة.

اعتمد تصميم جناح البيئة البدوية على المحاكاة الواقعية، فهناك الأرضية الرملية التي تخلق انطباعاً يساعد على تخيل طبوغرافيا البادية، فيصبح الوقوف على حافة البئر المحاطة بالرمال رسالة واضحة، تنبه الزائر إلى القيمة التي تمثلها كل قطرة ماء للإنسان والحيوان والنبات، ولا تشد الرحال في البيئة البدوية إلا إذا جف المرعى وشحت المياه، أو ارتحل الأهل والأحبة، ولابد من اللحاق بركبهم. يركز الزوار عدساتهم على بدوي يحمص حبات القهوة.. يحركها كما لو أنه يحصي عدد حباتها السمراء الداكنة، وكلما تهيأت وأصبحت جاهزة لسحقها مع حبات الهيل، تتزايد عدسات الكاميرات المسلطة على ركن القهوة، حينها تفوح رائحة الضيافة العربية بكامل أصولها وطقوسها. يستقبل البدوي ضيوفه ويقيم مجالسه في «بيت الشّعر» الذي يمتد أمامه بساط من الرمل، وكل رشفة قهوة في بيت الشعر تمنح الضيف شعوراً بنعمة الظل في قيظ النهار، وكل ليل في البادية فسحة لمسامرة النجوم، لأن الأفق مفتوح لا يحجبه سقف أو جدار. وبمتعلقات شخصية قليلة يمكن أن تمضي الحياة في البادية؛ ناقة وثلاثة أغنام وبئر ماء، وكيس من الطحين وآخر من البلح، ووعاء للحليب، وقربة ماء، وقهوة برائحة الهيل. لكن العين لا ترى كل شيء، فتلك ليست وحدها مقومات العيش في البيئة البدوية، لأن ما لا يرى أكثر مما تلتقطه عدسات الهواتف والكاميرات، فهناك الكرم والشجاعة والفطنة والصبر والوفاء والحب.

 

 

 

الإمارات اليوم