إنها ثمرة الخرافة والأسطورة؛ الفاكهة السحرية من سمرقند التي تشفي جميع الأمراض في ألف ليلة وليلة – وبالطبع، الكرة التي سقطت على رأس إسحق نيوتن، ما أدى إلى نظريته عن الجاذبية، التي تم نشرها في عام 1687.

حكاية السقوط المذكورة المشبعة بالتفاح تحتوي على بذرة من الحقيقة، ويليام ستوكلي، أحد كتّاب سيرة نيوتن، ذكر أنه تناول الشاي مع نيوتن، موضوع كتابه، تحت أشجار التفاح في منزل نيوتن في لينكولنشاير. كتب ستوكلي “في خضم حديث آخر، أخبرني أنه كان تماماً في الوضع نفسه عندما خطرت على باله فكرة الجاذبية في السابق، وتساءل في نفسه عن السبب الذي يجعل التفاحة تسقط دائماً بشكل عمودي إلى الأرض؛ وكانت مناسبة ذلك هي سقوط التفاحة، في الوقت الذي كان يجلس فيه بمزاج تأملي، لماذا لا ينبغي أن تسقط إلى الجوانب أو الأعلى، لكن باستمرار إلى مركز الأرض؟”، مع انتشار القصة، ستنتشر كذلك حبات التفاح نفسها. البذور المأخوذة من الشجرة التي يُعتقد أن نيوتن كان يجلس تحتها ستتم زراعتها في 30 متحفا ومركزا علميا في أنحاء المملكة المتحدة كافة، مواقع البساتين المُخطط لها تشمل جودريل بانك، موطن أحد التلسكوبات الراديوية الشهيرة، وموطن أبرز علماء بريطانيا من أعضاء الجمعية الملكية، التي كان نيوتن رئيسها. يُعتقد أن “شجرة الجاذبية” الأصلية، في وولسثورب مانور في لينكولنشير على الساحل الشرقي لإنجلترا، تبلغ من العمر نحو أربعة قرون، بعد أن نجت من عاصفة عاتية في عام 1820. الشجرة تُنتج صنف زهرة كينت من تفاح الطهي. يُشكك كثيرون في بعض عناصر القصة – ربما كان نيوتن قد صقلها باعتبارها حكاية صغيرة رائعة لإبهار معجبيه – لكن هذا بالكاد أمر مهم. ينبغي أن نوافق على هذه الحيلة: الأشجار ستُشكّل رابطة حية لأحد عمالقة العلوم وأفكاره الثورية. استنتج نيوتن أن هناك قوة غامضة لم تُصمم فقط سقوط تفاحة باتجاه الأرض، لكن أيضاً حركات الكواكب. وحتى لو لم نفهم بالكامل المفاهيم التي اقترحها، فإن الأجيال المستقبلية يُمكن أن تُسحَر بالحدث الذي من المفترض أنه أثار خياله. استمرار صنف من التفاح الموجود منذ قرون هو أمر مهم لسبب آخر: الحفاظ على التنوع الجيني. تُشير السجلات التاريخية إلى أن أكثر من 80 في المائة من أصناف التفاح في الولايات المتحدة قد اختفت. المملكة المتحدة تتبع اتجاها مماثلا؛ في العام الماضي ورد أن صنف ديسيو، الذي يعود تاريخه إلى العصر الروماني، كان على حافة الانقراض. “مجموعة الفاكهة الوطنية” في المملكة المتحدة القائمة في مزرعة بروجدايل في مقاطعة كينت الجنوبية، تحتوي على نحو 2200 صنف لها أسماء – اثنان منها فقط، تفاح الزبداني وبرايبيرن، يُمثّلان ما يُقارب نصف جميع التفاح الذي يُباع في محال السوبرماركت. مبيعات التفاح الأحمر تفوق مبيعات التفاح الأخضر، كما تفعل الأصناف الأحلى والمستديرة ـ من الصعب على نحو متزايد العثور على وجبات خفيفة من أصناف ذات قشرة برونزية ناتئة ذات تاريخ طويل. المجموعة المتقلّصة من أصناف التفاح هي علامة على تضاؤل التنوع الجيني، وهو أمر يُثير قلق العلماء. علينا ألا ننسى أن مجموعة واسعة من المحاصيل تمثل بوليصة تأمين ضد الجفاف والأوبئة؛ مجاعة البطاطا الإيرلندية في الأربعينيات من القرن التاسع عشر كانت جزئياً نتيجة الاعتماد المُفرط على صنف معروف باسم بطاطا العامل. عامل مُمْرِض على شكل فطر جعل التفاح دبقا لزجا كالوحل؛ وما يزيد على مليون شخص ماتوا من الجوع والمرض الناتج عن ذلك. “قبو سفالبارد العالمي للبذور”، المنحوت عميقاً في الجبال النرويجية بالقرب من القطب الشمالي، هو تدبير مضاد لكارثة زراعية مماثلة. كثير من عينات البذور التي يبلغ عددها 860 ألفا – وهي نُسخ مكررة من مجموعات المحاصيل من مختلف البلدان – يُمكن أن تبقى على قيد الحياة لعدة قرون في التربة المتجمدة إذا تعطّلت أنظمة التخزين الباردة في القبو. في الوقت الذي تضع فيه شجرة التفاح الأسطورية لنيوتن جذورا جديدة، هذا المستودع يزرع الأمل أن المحاصيل الأخرى لن تختفي في الأساطير.

 

العرب الاقتصادية الدولية