تستذكر دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي تحتفي بيوبيلها الذهبي، باني نهضتها وعزتها، المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، إذ إنه أرسى نهجاً مكن الدولة من تحقيق إنجازات عظيمة، بحيث باتت تتصدر الكثير من مؤشرات المنطقة والعالم في عدد من المجالات المتعلقة بالتنمية البشرية.

لذلك، ومهما طال الزمن، وكما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة: «ستظل رؤية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الحكيمة مملوءة بالطموح والتفاؤل والثقة، كما هي نبراس في القلوب والعقول لمواصلة الإنجازات المشرِّفة لرفعة الوطن وتقدُّمه».

فالمغفور له قال ذات يوم إن «العلاج بالعمل هو أحدث الوسائل للقضاء على الأمراض النفسية والتغلب على المشاكل التي تعترض إنسان هذا العصر»، لذلك كان العمل مرادفاً للتعليم في عملية البناء، وهو القائل: «إن تعليم الناس وتثقيفهم في حدّ ذاته ثروة كبيرة نعتز بها، فالعلم ثروة ونحن نبني المستقبل على أساس علمي».

لقد سهر الشيخ زايد على رفعة الإمارات وازدهارها، وكان عنوانه الصبر والعمل، إذ يقول: «لقد علمتنا الصحراء أن نصبر طويلاً حتى ينبت الخير، وعلينا أن نصبر ونواصل مسيرة البناء حتى نحقق الخير لوطننا».

بصمات محفورة

زعماء العالم يتذكّرون الشيخ زايد، لأنه ترك بصمات محفورة في التاريخ والوجدان. ملكة بريطانيا، الملكة إليزابيث الثانية عبّرت عن تقديرها للشيخ زايد في كلمة مؤثرة قالت له فيها خلال لقاء: «إننا لمعجبون بالقيادة الحكيمة والخبيرة التي تمارسونها كرئيس، والنجاح الاقتصادي الذي حققته بلادكم ماثل للعيان..

ماثل في المدن الجميلة والمنظمة، وماثل في شبكة الطرق الممتازة، وفي المطارات والموانئ، وفي الاتصالات الحديثة التي تربط أبناء بلدكم بالعالم الخارجي، وفي البيئة الخضراء التي يتمتع بها مواطنوكم في الأماكن التي لم يكن فيها يوماً إلا صحراء، ولم توجهوا ثروة أو تفكير وطاقة بلادكم للأشياء المادية فقط، لكنكم وضعتم الأساس لما هو اليوم نظام تعليمي حديث وشامل استعداداً لمتطلبات القرن الحادي والعشرين».

وعبّر كثير من القادة عن الحزن الشديد حين رحل الشيخ زايد في الثالث من نوفمبر عام 2004، فالأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان عبّر عن حزنه الشديد، قائلاً: «الشيخ زايد من رجال الدولة البارزين، حيث قاد بلاده منذ تأسيسها عام 1971، وقد بذل جهوداً مضنية لبناء الدولة، وحاز احترام شعبه لحكمته وسخائه وإنجازاته في بناء اقتصاد مزدهر».

سمعة طيبة

وأضاف عنان أن حكمة الشيخ زايد وإيمانه الكبير بالدبلوماسية ومساعدته السخية للدول النامية أكسبته سمعة طيبة داخل بلده والدول الإسلامية وغيرها من دول العالم. وقال عنان إنه كان صديقاً للأمم المتحدة، وطالما عمل من أجل تعزيز العلاقات بين المنظمة وبلده.

ويستعرض كيف كان الشيخ زايد في عيون القادة والبسطاء، من بينها وصف الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك للشيخ زايد بأنه «من أكبر الشخصيات التي شهدها العالم في العصر الحديث، رجل حكيم ينتهج سياسة حكيمة في علاقات دولة الإمارات العربية المتحدة مع جميع دول العالم»، وقول الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر:

«إن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان قد مد يد العون والمساعدة للدول الفقيرة التي تتعرض للكوارث والحروب الأهلية في مختلف بقاع العالم، والتي يصل عددها إلى نحو 70 حرباً أهلية في مختلف دول العالم، كما أنه من الشخصيات المهمة التي تدعم العمل الإنساني المتخصص، في رفع المعاناة بجميع أشكالها عن الشعوب».

وقال الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب حين نعاه: «لقد كان زايد زعيماً رائداً، ورجل دولة مخضرماً، طور هو وسائر حكام الإمارات السبع الاتحاد فيما بينهم، إلى دولة مزدهرة ومتسامحة، وأحسنوا قيادتها». كذلك قال المستشار الألماني الأسبق جيرهارد شرودر:

«لقد مهد الشيخ زايد السبل لمستقبل دولة الإمارات القائم على السلام والازدهار، ونجح بحكمته العظيمة ورؤيته الثاقبة وتفانيه الشخصي الذي لا يفتر في تحديث دولته وتعزيز هويتها الثقافية في ذات الوقت. ولعل التأثير الإيجابي للاستقرار الناجم عن ذلك يُمكن استشعاره إلى أبعد من حدود الإمارات، ولقد جلبت إنجازاته السياسية والشخصية العظيمة له ولبلده احترام وتقدير العالم كله».

نخوة العروبة

وفي نعيها الشيخ زايد،قالت الرئاسة المصرية: «إن الأمة العربية فقدت زعيماً من أعز الرجال»، وأضافت أن المغفور له كان «قائداً أعطى عمره لوطنه وأخلص لأمته، وسيسجل له التاريخ أنه وقف إلى جانب الحق بروح الفرسان، ونخوة العروبة، وشجاعة الكلمة، بكل الصدق والإخلاص، ما فرط يوماً في مبدأ، وما تأخّر عن نصرة حق عادل، وسيظل رمزاً لقوة ووحدة دولة الإمارات العربية، التي حقق لها المكانة والنهضة والعزة».

وفي حديث أدلى به الرئيس المصري الراحل حسني مبارك لقناة العربية في يناير 2005، أشاد فيه بمواقف المغفور له الشيخ زايد، وقال إنه كان رجلاً صريحاً وعربياً أصيلاً لا يقول إلا الحق ولا يدخر جهداً في مساعدة من يطلب مساعدته، وكان رحمه الله يسعى دائماً لإصلاح ذات البين بين أي دولة عربية وأخرى.

وقال الأمين العام للجامعة العربية في ذلك الوقت، عمرو موسى، إن الأمة العربية فقدت «فارساً من فرسانها النبلاء ورجلاً من أكابر رجالاتها، شكلت مسيرة حياته نموذجاً فريداً للعطاء بلا توقف وللقيادة الواعية الرصينة والحكيمة، كان قائداً متميزاً، آل على نفسه النهوض ببلاده وبذل الجهد والمال لبناء دولة الإمارات العصرية وتوحيد الصف العربي، وكانت له على مدى عقود طويلة أيادٍ بيضاء على العمل العربي المشترك وفي دعم وتأييد الجامعة العربية».

وعندما رحل المغفور له بإذن الله، نعاه الديوان الملكي الهاشمي ببيان مؤثّر، وأمر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بإعلان الحداد 40 يوماً في البلاط الملكي، فيما أعلنت الحكومة الأردنية الحداد الوطني لمدة ثلاثة أيام. وجاء في بيان الديوان الملكي الأردني: «فقدت الأمة العربية والإسلامية بغياب سموه قائداً كبيراً وحكيماً قضى حياته يعمل لخير بلاده وأمته بكل أصالة وإيمان».

خسارة كبيرة

وفي لبنان، وصف الرئيس اللبناني آنذاك، إميل لحود، رحيل القائد المؤسس بأنه «خسارة كبيرة للشعب الإماراتي وللبنان والدول العربية ودول العالم أجمع»، وقال: «لقد فقدت الأمة العربية زعيماً كبيراً تميّز بالحكمة وبعد النظر».

وأشار إلى أن اللبنانيين لن ينسوا «موقف الراحل الغالي عندما تنازل عن دور بلاده للبنان في استضافة القمة العربية في دورتها العادية الـ14التي عقدت في بيروت خلال فترة دقيقة من تاريخ أمتنا». وأضاف في بيان صادر عن الرئاسة اللبنانية «إن لبنان الذي احتل موقعاً مميزاً في قلب الشيخ زايد وعقله يلفه الحزن والأسى، لأن الراحل الكبير كان له سنداً وعضداً، مدافعاً عن حقوقه».

كما وصف الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، الشيخ زايد بأنه «الراحل الكبير والقائد الفذ الأصيل والفارس المقدام»، مستذكراً مواقفه العظيمة تجاه الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية.

زايد رمز الخير والعطاء الإنساني اللامحدود

لم يقتصر الإعجاب بالمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، على القادة والزعماء والمسؤولين، بل شمل كل من عرفه من السياسيين والمفكرين والكتاب وعلماء الدين. فالممثل السياسي البريطاني في أبوظبي، العقيد هيو بوستيد بعد زيارة له إلى العين قال: «تدهشني الجموع التي تحتشد دوماً حوله..

وتحيطه باحترام واهتمام، كان لطيف الكلام دائماً مع الجميع». كما أن الرحالة والمستشرق البريطاني ويلفريد ثيسيجر، الذي كان التقى الشيخ زايد، عام 1948 لأول مرة قال، «كان زايد قوي البنية ذا لحية بنية اللون، ترتسم على محياه ملامح الذكاء، عيناه ثاقبتان، هادئ السلوك، قوي الشخصية. كان لباسه متواضعاً يرتدي ثوباً رمادي اللون»، وتابع «كنت متشوقاً للقاء زايد ذي الشهرة الواسعة في أوساط الذين أحبوه لسلاسة أسلوبه الودي، والخالي من الرسميات في معاملته لهم. لقد احترموا فيه شخصيته وذكاءه وبنيته القوية».

الكاتب البريطاني كلود موريس ألّف كتاباً عن الشيخ زايد بعنوان «صقر الصحراء» سنة 1974، ومما قال فيه: «الشيخ زايد اكتسب سمعة حسنة بين الكشافة المتصالحة (القوة البريطانية المحلية) على أنه رجل مرح وسخي».

الباحث البريطاني كلارنس مان زار المنطقة الشرقية، وحضر مجالس الشيخ زايد، وألّف كتاباً عن أبوظبي، قال عنه، «الشيخ زايد هو الرجل القوي في منطقة العين وضواحيها، ومن هنا امتد نفوذه إلى أرض الظفرة. وإن الناس يحترمونه.. ويرشّحه كل هذا إلى جانب عدالته وروحه الإصلاحية وقدرته السياسية إلى أن يكون رجل الدولة المنتظر».

علماء الدين بمختلف دول العالم، أبدوا إعجابهم بالمغفور له، باعتبار أنه ‏كان قائداً فريداً، يطبق الأمر السماوي، ولم يفرق في تعامله بين شخص وآخر، كما امتدت أياديه ‏البيضاء وأعماله الصالحات في بقاع الأرض، من دون نظر للون أو جنس أو معتقد.‏ وينقل موقع «المشهد العربي» عن د.محمود منصور أستاذ التفسير بجامعة الأزهر قوله في مايو الماضي: إن المغفور له رمز العطاء الإنساني، والمثل الأعلى والقدوة، الذي أحبه الصغير والكبير. ‏‏‏‏‏‏

وينقل عن الشيخ إبراهيم الخليل البخاري رئيس جامعة معدن للثقافة الإسلامية بمدينة كيرالا الهندية وأمين عام ‏جماعة مسلمي كيرالا قوله: ‏الشيخ زايد ،رمز الخير ورائد ‏العمل الإنساني ليس في الإمارات أو في المنطقة فقط، وإنما أيضاً على ‏مستوى العالم أجمع. ‏‏‏

وأكد الشيخ أبوبكر أحمد مفتي الديار الهندية، أنه رغم مضي سنوات عدة على رحيل مؤسس الإمارات وباني نهضتها الحضارية، «لا تزال ذكرياته الخالدة ‏محفورة في ذاكرتنا وراسخة في نفوسنا، وعرفاناً بجميل ما قدم للبشرية».‏‏‏‏‏

البيان