أسئلة

مارس 19, 2015

ناصر الظاهري

مرات أسئلة الأطفال مع نضوجهم العمري، وتفتح مداركهم بالمعارف، وتنوعها، تغدو سهلة، ممتنعة، وتثبّت الأكتاف قانونياً، بعيداً عن أسئلتهم الافتراضية، كيف جئت؟ ومن أين؟ وإذا الله يحبنا، لماذا يموّتنا؟ هناك أسئلة كاشفة الغطاء، وكأنها أتت من جراب ناسك، ارتضى بالصوم والصلاة والتفكر والوحدة، مثل الذي فاجأتني به تلك الصغيرة الشقية، ذلك السؤال الفلسفي الذي لا تدري عنه شيئاً، وربما أدركته ببراءة، وعمق الطفولة، لأن لا ممنوعات تحد لسانها، أو سقف يلجم تفكيرها، لماذا الناس يكذبون؟ ويعرفون أنهم يكذبون، ولا يستحون! فأسقط في يدي، ودهشت، وكان لابد من قبلة من القلب، أفرّغ فيها عاطفتي، وفرحي الداخلي، وألتقط أنفاسي، وأحاول أن أخرج بحديث مقتضب، كأنه الحكمة، وأغلفه كحبة سكاكر، وأقدمه على طبق من فضة، لكن الحقيقة أن الجواب كبير، ويستعصي على الكثيرين شرحه، أو إيجاد المبرر له أو حتى فهمه، بقيت متأملاً في متعة السؤال، واستعصاء حضور الجواب، وهذه وحدها مدعاة لذلك التأمل اللذيذ الذي تستشعر فيه عذوبة المعرفة، ومعنى النور، فقط كنت أريد أن أفكر، دون أن أتكلم في الموضوع، وكأنه مفهوم، ومشبع في داخلي، لكنه ثقيل، وعصيّ على لساني، وهذا شأن تلك الأسئلة التي تخص الإنسان، والديمومة، وأسئلة الكون، والماورائيات.
سؤال الصغيرة أوقفني، هل نكذب؟ لأننا مضطرون للكذب، أو أن أحداً يدفعنا أحياناً لكي نكذب، هل نكذب وقاية، وتقية؟ هل نكذب من أجل أن نجمّل حالنا، ونرفع من مقدارنا، ونعمي عيون الآخرين؟ هل الكذب حرب نفسية نشنها على الطرف المقابل من أجل فائدة ومصلحة لنا، وخاسرة له؟ هل في الكذب شيء من إرضاء غرور النفس الناقصة، والمتعبة، وكثيرة الهزائم؟ ترى كيف يمكن أن يمضي يوم أحدهم، لو سار دونما أي كذب؟ هل سيخسر الكثير؟ أم أنه سيكون متطهراً اليوم كله؟ نكذب، ولا ندري بكل تلك العمليات المعقدة التي يجريها الجسد في لحظات، من سخونة الدم، وسرعة دقات القلب، وتحفيز الجهاز العصبي، وكثرة الإفرازات، والضغط على القصبات الصوتية لكي لا تتغير نبرة الصوت، ولا نشرق، ولا نكح أو نتنحنح، محاولين أن نتوازن نفسياً لحظتها، وأن نتحكم في لغة الجسد المعبرة، كل ذلك المجهود الكبير، أتساءل كثيراً، كما تساءلت تلك الصبية، هل تستحقه الكذبة أو تساوي هي ذلك الاضطراب الجسد – نفسي، وإذا كانت الكذبة تساوي كل هذا العذاب الذي لا يدري به الكثير، فكم يا ترى يساوي الصدق!
– الاتحاد