قتل 50 شخصاً وأصيب نحو 530 بجروح بانفجار سيارتين مفخختين أمام مسجدين في مدينة طرابلس شمال لبنان أمس.

ووقع الانفجار الأول بعيد الواحدة والنصف بعد الظهر قرب مسجد التقوى في وسط طرابلس خلال صلاة الجمعة. وبعد دقائق، دوى انفجار ثان قرب مسجد السلام في منطقة الميناء على بعد أكثر من كيلومترين من الموقع الأول. وبثت محطات التلفزة لقطات التقطتها كاميرات مثبتة داخل المسجدين يظهر فيها مصلون وهم يستمعون إلى الخطبة قبل أن يدوي انفجار ويتصاعد دخان وغبار كثيف. ويشاهد المصلون وهم يهرعون، معظمهم من دون استعادة أحذيتهم، نحو باب المسجد للخروج.

وتضررت حوالى سبعين سيارة وعدد ضخم من الدراجات النارية المتوقفة أمام المسجد، واندلعت النيران في سيارات وأبنية وشقق. وقتل أشخاص داخل سياراتهم، بينما قطع آخرون إلى أشلاء. وتجمع مئات المدنيين في المكان فور وقوع الانفجار وعدد منهم بسلاحه. وبدوا في حالة غضب شديدة، وهتفوا “الموت لحزب الله” و”الموت للنظام السوري”.

ويقع منزل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي قرب مسجد التقوى، إلا أن مكتبه الإعلامي سارع إلى الإيضاح بأن ميقاتي خارج البلاد. وأحدث الانفجار الثاني في منطقة الميناء دماراً كبيراً في الأبنية والمحال التجارية. وطوقت القوى الأمنية وفرق الأدلة الجنائية المكان وبدأت التحقيقات. وبين المنازل المتضررة بشكل كبير منزل مدير عام قوى الأمن الداخلي سابقاً اللواء أشرف ريفي الذي لم يصب بأذى. وقال مصدر أمني إن العشرات من المصابين بجروح طفيفة غادروا المستشفيات. وفي وقت لاحق، انتشر مسلحون لا تعرف انتماءاتهم في بعض شوارع طرابلس، وراحوا يوقفون السيارات ويفتشونها ويدققون في الهويات.

وأعلنت قيادة الجيش اللبناني أنها باشرت تحقيقاتها لكشف ملابسات الانفجارين.

وأوضح بيان الجيش أن قوة من الجيش حضرت إلى مكاني الانفجارين وفرضت طوقاً أمنياً حولهما، كما حضر عدد من الخبراء المختصين ووحدة من الشرطة العسكرية التي باشرت التحقيق في الحادث بإشراف القضاء المختص لكشف ملابساته وتحديد هوية الفاعلين.

ودعت القيادة اللبنانيين إلى “التعاون مع الإجراءات التي تتخذها قوى الجيش وسائر القوى الأمنية، لتسهيل عمل الأجهزة المختصة وأعمال الإخلاء والإنقاذ للمصابين”. وأعلنت حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، اليوم السبت، يوم حداد عام على أرواح الضحايا الذين قتلوا في التفجيرين.

وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، في بيان له، “نعلن الحداد العام السبت على أرواح الضحايا الذين سقطوا الجمعة نتيجة للتفجيرين الإرهابيين الآثمين في طرابلس، بحيث يتوقف العمل لمدة ساعة اعتباراً من الساعة الحادية عشرة صباحاً وحتى الثانية عشرة ظهراً على كل الأراضي اللبنانية، على أن تعدل البرامج العادية في محطات الإذاعة والتلفزيون خلال هذه الفترة بما يتناسب مع هذه الواقعة الأليمة”.

ودعا البيان اللبنانيين إلى الوقوف لمدة خمس دقائق عند الحادية عشرة قبل الظهر، حيث ما وجدوا “استنكاراً للجريمة النكراء وتعبيراً لبنانياً وطنياً شاملاً ضد الإرهاب والإرهابيين وتضامناً مع عائلات الشهداء الأبرار والجرحى وعائلاتهم”. واعتبر الانفجارين “رسالة واضحة هدفها زرع الفتنة وجر طرابلس وأبنائها إلى ردات الفعل”.

وأضاف، “لكن طرابلس والطرابلسيين سيثبتون مرة جديدة أنهم أقوى من المؤامرة ولن يسمحوا للفتنة أن تنال من عزيمتهم وإيمانهم بالله وبالوطن، وسيتعالون على جراحهم، مهما كانت بليغة”.

وأعرب ميقاتي عن تضامنه مع طرابلس وأبنائها قائلاً “نشد على أيدي أبنائنا وأخوتنا في طرابلس، ونعاهدهم أننا سنبقى إلى جانبهم في كل الأوقات لاسيما في هذا الظرف العصيب.” وعبر رئيس الجمهورية ميشال سليمان عن “استنكاره الشديد للمجزرة التي تندرج في إطار مسلسل تفجيري «فتنوي» يستهدف الوطن ككل”.

وطلب الرئيس اللبناني من الأجهزة العسكرية والأمنية والقضائية اللبنانية بذل أقصى الجهود لكشف المجرمين والمحرضين، داعياً اللبنانيين إلى “التنبه واليقظة والتكاتف الوطني لتفويت الفرصة على أعداء الداخل وأعداء السلام والاستقرار في لبنان”.

وأدان سليمان في بيان له “لجوء المجرمين والإرهابيين إلى قتل المدنيين لأهداف وغايات إجرامية لا تمت إلى القيم والأهداف الإنسانية بصلة، كما أنها لا تصب إلا في خانة إحداث الفتن والاضطرابات”.

من جهة ثانية أعلن الرئيس المكلف بتشكيل حكومة جديدة تمام سلام أن جريمة طرابلس تشير إلى أن الأوضاع في لبنان باتت شديدة الخطورة . وقال سلام إن الأوضاع في لبنان “بلغت مرحلة شديدة الخطورة تتطلب استنفاراً وطنياً سياسياً وأمنياً لقطع دابر الفتنة، والتعامل مع الاستحقاقات السياسية بأعلى قدر من المسؤولية الوطنية”. وأعلن وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية عدنان منصور، أن الإرهاب واحد والمخطط واحد لا يفرق بين منطقة وأخرى أو دين وآخر. وأشار منصور إلى أن “هذا الإرهاب يريد تحلل لبنان وتشرذمه والقضاء على ما فيه من بشر وحجر، ومسؤوليتنا جميعاً وأد الفتنة وقيام الحكومة المستقيلة بمسؤولياتها الوطنية فوراً، فليس ما يمنع من أن تعقد جلسات استثنائية لمواجهة هذا الخطر المتواصل على الجميع”.

وقال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، إن “جريمتي تفجيري طرابلس من فعل نفس اليد القاتلة التي تركت بصماتها السوداء على أجساد الضحايا في تفجير الضاحية الجنوبية الأسبوع الماضي”.

وأدان وزير الدفاع فايز غصن في بيان “الجريمة الإرهابية” التي استهدفت مسجدي “السلام “ و” التقوى “ في مدينة طرابلس واعتبر أن الهدف منها إشعال فتنة بين اللبنانيين. وقال غصن في البيان “إن يد الإرهاب البغيضة قد امتدت مجدداً لتطال منطقة آمنة بهدف إشعال فتنة بين اللبنانيين”. وأضاف “ها هو المحظور الذي كنا قد حذرنا منه سابقاً قد وقع، فاليد التي امتدت الى منطقة الضاحية الجنوبية هي نفسها التي ارتكبت اليوم مجزرة جديدة من خلال تفجيرين استهدفا المصلين في مسجدين في طرابلس، والهدف الأول والأخير هو ما أعلناه سابقاً ونكرره اليوم، إشعال الفتنة الطائفية والمذهبية التي من شأنها أن تشعل البلد برمته”. وأكد أن “ما تمتلكه الأجهزة الأمنية من معلومات ومعطيات يرسم صورة قاتمة عما يحضر للبنان”. وقال “إن الواجب الوطني يقتضي من الجميع وعي حجم المخاطر المحدقة ببلدنا وخطورة المؤامرة التي تحضر لنا، وندعو إلى الابتعاد عن الخطاب الطائفي والمذهبي، والتعالي عن الصغائر والمصالح الضيقة، والتعاطي مع الأمور بروية وحكمة، والتوقف عن إطلاق الاتهامات جزافاً، فالإرهاب وكما أثبتت الأيام لا يستثني أحداً، بل يضرب في كل الاتجاهات ليصيب هدفه بجر اللبنانيين الى التقاتل فيما بينهم”.

واعتبر رئيس الحكومة السابق سعد الحريري “أن أيدي الفتنة لا تريد للبنانيين أن يشعروا بلحظة واحدة من الاستقرار”، و”تريد لآلة التفجير والقتل أن تحصد الأبرياء في كل مكان من لبنان”، مناشداً القيادات والقوى السياسية في المدينة بالتمسك بـ”الحكمة”، و”عدم تقديم أي ذريعة لكل من يريد شراً بطرابلس وأهلها”.

وأضاف في بيان “أهل الفتنة قصدوا طرابلس مجدداً ليزرعوا الموت على أبواب المساجد ولينالوا من جموع المؤمنين والمصلين، ولغاية واحدة لا ثاني لها، هي غاية أعداء لبنان بجعل الفتنة والخراب مادة لا تغيب عن يوميات اللبنانيين”. ولفت إلى أنه “منذ سنوات وهناك من يعمل لابقاء طرابلس في عين العاصفة، واستهداف هذه المدينة الأبية بموجات متتالية من الفوضى والاقتتال والصراعات المسلحة”.

وتابع: “لقد تحمل أهل طرابلس الكثير الكثير وعضوا على جراحهم وآلامهم عشرات المرات، ودفعوا ضريبة الدم والدفاع عن النفس والكرامة في العديد من الجولات والمراحل. وها هي طرابلس اليوم تواجه الشر وجهاً لوجه، وتفتدي كرامتها وتاريخها الوطني والعربي والاسلامي بأرواح أبنائها، وهي ستؤكد بما لا يدع أي مجال للشك بأنها ستنتصر على قوى الشر ولن تعطي أعداء لبنان أي فرصة لإشعال الفتنة”.

واعتبر أن “الذين يتربصون بطرابلس كثيرون في الداخل والخارج، لكن صوت الله أكبر سيرتفع في كل يوم من مساجد طرابلس، ولن يكون في مقدور الإرهاب أن يخمد هذا الصوت أو أن يقتل إرادة المدينة وخياراتها».

وناشد الحريري “كل القيادات والهيئات والفعاليات أن تعمل على التمسك بالصبر والحكمة ومواجهة هذه الجريمة بما تقتضيه من تضامن وتعاون، وتسهيل مهمات السلطات الأمنية والقضائية، وعدم تقديم أي ذريعة لكل من يريد شراً بطرابلس وأهلها”.

وقال ريفي في تصريح لتلفزيون المؤسسة اللبنانية للإرسال تعليقاً على التفجيرين “ما أراه هو الفتنة”، مضيفاً “أهلنا في الضاحية دفعوا الثمن، واليوم أهلنا في طرابلس. والآتي أعظم”. وذكر أنه، قبل انتهاء مهمته على رأس قوى الأمن الداخلي قبل سبعة أشهر، حذر من “امتداد الحريق من سوريا إلى لبنان”، مجدداً الدعوة إلى “إغلاق الحدود حتى لا يمتد اللهيب إلى الداخل اللبناني”.

وكشف قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي الأربعاء أن الجيش “يلاحق منذ أشهر خلية إرهابية تعمل على تفخيخ سيارات وإرسالها إلى مناطق سكنية”، مشيراً إلى أن الخلية “لا تعد لاستهداف منطقة معينة أو طائفة معينة، بل تحضر لبث الفتنة المذهبية عبر استهداف مناطق متنوعة الاتجاهات الطائفية والسياسية”.

دعت الأطراف اللبنانية للعمل يداً واحدة لنزع فتيل الفتنة

الإمارات تدين بشدة وتتابع بقلق تفجيرات لبنان

أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة أمس أنها تدين وتستنكر بشدة وتتابع بقلق بالغ التفجيرات الإرهابية التي وقعت في لبنان والتي تستهدف استقراره وأمنه وتسعى إلى زرع الفتنة بين مكونات الشعب اللبناني الشقيق، وتهدد وحدته الوطنية خاصة في هذه المرحلة الحرجة من التطورات الإقليمية.

وقال معالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية إننا نقدم خالص العزاء إلى أسر الضحايا في تفجيرات طرابلس والتفجيرات السابقة التي شهدتها مدينة بيروت ونتمنى الشفاء العاجل للمصابين.

واختتم قرقاش تصريحه بدعوة الأطراف اللبنانية كافة إلى العمل يداً واحدة لنزع فتيل الفتنة، حماية للبنان والشعب اللبناني من هذا المخطط الإرهابي الساعي إلى تقويض وحدته واستقراره.

– الاتحاد ووام