ناصر الظاهري

ربما كان عنواناً جميلاً لفيلم يتناول قصة عدي صدام حسين، وشبيهه لطيف، غير أن الفيلم وإن كان مشوقاً، لكنه يصعب عليك أن تدرك أين تنتهي الحقيقة في هذا الفيلم، وأين يبدأ الخيال في قصة تتناول تهتك وجنون وطاووسية عدي، وإلى أي مدى كانت الحقيقة تنطلق من لسان ووجهة نظر الشبيه الوحيدة، والذي تمكن من الهرب، وروى قصته وصاغها مؤلفون متخصصون في حبك القصص، وخلق الإثارة والتشويق حسب طلبات الناشر الذي يريد أن ينجح الكتاب، ويبيع منه الكثير ليزيد ربحه، وهذا عادة ما يشوب السير الذاتية التي تكتب بطلب من الناشرين، ويتم توظيف صحفيين وكتّاب متخصصين في هذه التوليفة التجارية، قصة شبيه عدي، وشبيه صدام التي نشرت في الخارج أولاً، وترجمت إلى العربية، وبعضها تحول إلى أفلام، والتي تحتاج هي الأخرى إلى تشويق مشهدي آخر لتحظى بأكبر قدر من المشاهدين، ربما يفوق عدد القراء، وبالتالي تكبر الحقيقة حتى تتحول إلى خيال أو يعم الخيال في كل شاردة وواردة حتى يطغى على الحقيقة ويشوهها، لذا يلجأ كثير من المخرجين المحترمين لمهنيتهم أن يمازجوا في إخراجهم لقصص السير الذاتية بين التسجيل والتوثيق أو تضمين اللقطات الحقيقية أو الصور التي توثق للحظات معينة في حياة الشخصية مع مشاهد درامية تخدم الفيلم، وتعطيه مصداقية جميلة ومؤثرة، هكذا خرجت من ذلك الفيلم بانطباع أن الحقيقة لا يمكن أن تقبل أي إضافات، وإن حاولنا فعل ذلك تماهت وماعت وأصبحت مع الوقت جزء من خيال، غير أن الفيلم خلق عندي نوعاً الهزة المفاجئة، وطرح علي سؤال كنت اعتقد انني أستوعبته منذ زمن، كيف توالت الأحداث علينا هكذا سريعة ومتتابعة، ونحن في عز دهشتنا فقدنا التمييز، وما عدنا نعرف أن الصبر يقتل الشيطان، وكيف انهارت بغداد من الداخل وأصبحت تأكل بعضها بعضاً، وانهار النظام الحديدي لصدام الذي سخر كل مقدرات النفط وخيراته في التسلح وتربية كلاب الحراسة والفتك بالمواطنين، وتشريد العلماء والعقول المفكرة، وبناء السجون والملاجئ، كل ذلك في سنوات عشر عجاف، تماماً مثلما حدث مع عدي كيف انهارت امبراطورية الشر الذهبي التي كان يبنيها بأموال توشك أن لا تنتهي، حينما سقط مرتين في لحظات تعد بالدقائق، مرة حين أقعدته الرصاصات التي استقرت في حضنه، مثلما كان يفعل بطالبات الثانوية القصر، وعطلت جزءه السفلي، وقيل يومها إنها نهاية كانت على يد الأب الضجر برعونة ابنه، وقيل إنه انتقام شعبي على يد مخلصين للوطن، والمرة الثانية حين تم تصفيته نهائياً، وقيل أنها على يد الأميركيين، وليدفن معه سره، وسر أخيه قصي، فطارت الحقيقة، وبقي الخيال الذي نحاول أن نصطاد منه شيئاً من الحقيقة الغائبة التي خلقت وكبّرت الشيطان الذهبي!

– عن الاتحاد