تنطلق اليوم، في العاصمة أبوظبي، فعاليات مهرجان قصر الحصن، الذي يستمر حتى التاسع من شهر مارس المقبل، متضمناً مناشط تراثية متنوعة، يتوقع أن تحقق تفاعلاً جماهيرياً، يكرس المكانة الكبيرة التي شغلها القصر منذ تاريخ إنشائه قبل 250 عاماً.

ويسرد المهرجان الذي تنظمه هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، تاريخ قصر الحصن الذي يعتبر من أبرز الشواهد الحضارية في الإمارات، والذي شهد محطات تاريخية مهمة كان لها أبلغ الأثر، ليس فقط في تاريخ أبوظبي، بل في الدولة بشكل عام.

وتكشف النسخة الأولى من المهرجان الستار عن واحد من أبرع الأعمال الفنية المعاصرة، ممثلاً في العرض الفريد من نوعه المعنون بـ «قصة حصن، مجد وطن»، والذي استمر الإعداد له نحو تسعة أشهر، تحت إشراف المخرج العالمي فرانكو دراجون.

ويقدم المهرجان اليوم فعاليات متعددة منها المسيرة الممتدة من قصر المنهل، وحتى قصر الحصن، ومعروضات تراثية متنوعة داخل ساحة قصر الحصن، تلقي الضوء على مشاهد من المجتمع الإماراتي عبر الزمن، من أسواق شعبية كان يستخدمها أهل الإمارات في الماضي، وموسيقى وأهازيج شعبية وفقرات العيالة والحربية، إلى جانب طريقة فلق المحار بالأسلوب الذي استخدمه أهل البحر في الماضي، وغيرها الكثير من ألوان الحياة في المجتمع الإماراتي قديماً وحديثاً.

الذاكرة الوطنية

وأكد معالي الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان رئيس هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، أن المهرجان يعتبر إثراء للذاكرة الوطنية، وتأصيلاً للتراث، وتعميقاً لعلاقتنا بالتاريخ العريق، ومقوماته المجيدة التي رسمت معالم طريق الوحدة والاتحاد، وأحداثه الخالدة التي أكدت دعائم البناء والنماء.

وأشار معاليه، في كلمة بمناسبة المهرجان، إلى أن الحدث بفعالياته المتنوعة يؤكد على الدور الثقافي والتراثي البارز لإمارة أبوظبي على المستويين الإقليمي والدولي، ويأتي تخليداً للقادة والرموز المؤسسين، واحتفاء بإنجازاتهم الكبرى، وتمجيداً للحمة التاريخية التي تميزنا بها على مر التاريخ.

وقال: «يتكامل المهرجان مع العديد من الفعاليات الوطنية والتراثية والثقافية التي تنظمها وتستضيفها أبوظبي، ويدعم المقومات الثقافية البارزة القائمة والمستقبلية في الإمارة، ويثري بمضمونه وفعالياته الذاكرة المجتمعية بأهم مفاصل التاريخ بالمنطقة، ويؤكد على مكونات الهوية الوطنية التي نفتخر بها جميعاً، ونحيا في إطارها، وهو بذلك إضافة جديدة تدعم القطاع السياحي الثقافي وتعزز تفاعلاته الحيوية لتأكيد مكانة أبوظبي السياحية والثقافية باعتبارها مركزا ثقافيا على المستوى الإقليمي والدولي».

عمل ناجح

ولفت معاليه، إلى أن اللجنة المنظمة للمهرجان من الشباب الطموحين الذين نجحوا في تحويل الفكرة إلى واقع، والمبادرة إلى عمل ناجح، ومن موقع مسؤوليتهم الاستراتيجية والإدارية والتشغيلية كأعضاء فاعلين في اللجنة التنظيمية، وعملوا وفق جدول زمني تم من خلاله إنجاز جميع الاستعدادات وفي مقدمتها البنى التحتية اللازمة للمهرجان، والتي تطلبت أشهراً من الإعداد والمتابعة الدقيقة واليومية، فضلاً عن دورهم في تنظيم الفعاليات المبتكرة التي تجسد ركائز المهرجان وتصب في أهدافه الرئيسة.

وأشار معالي الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان إلى أن المهرجان انطلق من ركائز محورية مثلت في مجملها هوية المهرجان واتجاهاته وأبعاده، وقامت هذه الركائز على التاريخ وأحداثه، والقادة وإنجازاتهم، والأرض وقيمتها الاستراتيجية، والإنسان وهويته وانتمائه.

وقال معاليه: «يعد قصر الحصن بوصفه مركزاً تاريخياً واستراتيجياً نموذجاً مثالياً للتعبير عن هذه الركائز، وباعتباره المكان الرئيسي للمهرجان، فبهذه الركائز يجسد المهرجان بفعالياته واحتفالاته الأهمية التاريخية للقصر وقادته ورموزه المؤسسين، فهذا الصرح المعماري العريق الذي يختزل التاريخ ويقدم لنا نموذجاً معماريا جمالياً بتصميمه، ووظيفياً بارعاً كقلعة ومسكن ومجلس يجتمع فيه الحكماء لإدارة شؤون المجتمع، واتخاذ القرارات المصيرية التي نرغد بنتائجها، فضلاً عن موقع قصر الحصن الاستراتيجي، وأروقته وموقع مداخله، وأسواره، وأبراجه، وساحاته، التي جعلت جميعها منه مكاناً عريقاً قديماً مفعما بالمعاني والأحداث ويطل علينا فنتوحد به من خلال ما يقدمه المهرجان من فعاليات واحتفالات وأنشطة مبتكرة وابداعية تليق بهذا القصر الذي يتشرف المهرجان بحمل اسمه».

مسيرة حاشدة

وأضاف: «ثمة مسيرة حاشدة واستعراض فني مذهل وعروض فولكلورية ومعارض فنية وأسواق تراثية ومنتدى فكري تجسد جميعها بشكل عميق معاني القصر والأهمية التاريخية للمكان وللقادة من أبناء آل نهيان؛ فالمسيرة تحاكي الانتقال إلى أبوظبي وتشييد قصر الحصن قبل ما يزيد على 250 عاماً، وكأنها تستحضر الانتقال الاستراتيجي إلى أبوظبي وما بعده، فنسير على خطوة رجل واحد قادة وشعباً لنرسم مشهداً وطنياً تاريخياً معاصراً، فالولاء والعزة هي ذاتها، وهي الدافع نحو البناء والتطوير الذي نعيشه وننعم به في ظل الرؤية الحكيمة لقيادتنا الرشيدة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وإخوانهما أصحاب السمو الشيوخ أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات».

وأوضح معاليه في كلمته، أن الروح الوطنية من الراغبين في الاشتراك في هذه المسيرة الوطنية إيذانا بانطلاقة المهرجان، هي ذات الروح التي جعلت قادتنا القدامى وأجدادنا المخلصين قادرين على تحدي الصعاب، ويدافعون عن الأرض ويضحون من أجلها، وهي ذات الروح التي لطالما بثها فينا الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حيث يوجه دائماً أن العلاقة مع الأرض ليست ثروة، وإنما قيمة وطنية سامية.

وأضاف: «يأتي العطاء، والعزيمة، والاتحاد كنتائج طبيعية لقادتنا الذين عاشوا لخدمة الوطن وأبنائه، إذ أن هذه الأرض المعطاءة هي مصدر الرخاء والرفاهية التي يعيشها شعب الإمارات، ومنبع العزة والفخر لأبنائها، فالمسيرة المهيبة بقادتها وبمشاركيها وبعناصرها التراثية ترسم المشهد البطولي للأجداد وتؤطر استعادة الذاكرة الوطنية على مدى 250 عاماً مليئة بالأحداث والتفاصيل اليومية التي رسمت التاريخ والمستقبل الذي نعيش مساراته ونحصد نجاحاته ونزرع آفاقه الواعدة».

استعراض تاريخي

وحول فعاليات المهرجان، قال معاليه، «يقدم المهرجان استعراضاً تاريخياً لقصة قصر الحصن ومجد الوطن، بأسلوب فني مشوّق وتفاعلي مع الجمهور، من خلال عمل إبداعي يقدم التاريخ برؤية فنية جديدة تقوم على الغوص في جماليات التاريخ بأسلوب درامي يجسد من خلاله التحديات التاريخية والحياة بحلوها ومرها بتحدياتها وفرصها وبمساراتها وبمنعطفاتها، وهو عمل فني درامي ضخم يقوم على الترفيه والتشويق، ويتمتع في الوقت ذاته بالعمق والدلالة الموضوعية على أحداث ومفاهيم هامة في مسيرة النهضة والوحدة».

وأضاف، يتضمن المهرجان العديد من الفعاليات الترفيهية التراثية الرئيسة والتفاعلية التي تستهدف المجتمع، وتجعل من المهرجان منصة إبداعية ومنارة معرفية مهمة، من بينها منتدى فكري لمناقشة تاريخ قصر الحصن بتراثه المادي والمعنوي، ويسلط الضوء على المحطات التاريخية الرئيسية التي شكلت منظومة المجتمع وهويته وتطلعاته آنذاك، كما يضم المنتدى عدداً من المحاضرات بمشاركة المتخصصين بشؤون قصر الحصن التاريخية، ودوره الاستراتيجي على مر التاريخ والدور البارز للقادة المتعاقبين.

واختتم معاليه كلمته قائلاً: «ها نحن اليوم وبعد قرنين ونصف من الزمن، نتشرف بأن نحمل راية الأجداد عبر مهرجان قصر الحصن، ونحتفل بهم في ظل قيادتنا الرشيدة، فهي امتداد للمجد والحكمة والوحدة والعزيمة، واحتفالنا احتفاء بإنجازات هذا التاريخ، واحتفال بالاتحاد باعتباره أحد أكبر المنجزات التاريخية والتي حققها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله».

يوم احتفالي

وقال فيصل الشيخ مدير الفعاليات في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة لـ «الاتحاد»، إن انطلاق المهرجان يوم احتفالي بامتياز كونه يعني بواجهة وطنية مهمة في تاريخ الإمارات، وسيشهد الافتتاح مشاركات رسمية وشعبية واسعة، تمثل خير انطلاقة لهذا الحدث الذي سيتم تنظيمه سنوياً للاحتفاء بهذا الصرح الشديد الأهمية على مدار التاريخ الإماراتي.

وأكد أن الرسالة الأسمى من وراء هذا الحدث تتمثل في الاحتفاء بمرور 250 عاماً على ظهور هذا الحصن إلى النور بكل ما عاصره من أحداث وقادة مؤسسين ومراحل مهمة تركت آثارها على الواقع الإماراتي، لافتاً إلى أن هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة ترعى عديدا من الفعاليات لكافة الشواهد الحضارية والثقافية في الإمارات وهذا يصب في سبيل إعلاء قيمة ما تركه الأجداد، ودورهم في تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، موضحاً أن هذا المهرجان يحمل أبعاداً تاريخية وتراثية متنوعة تحقق تكاملاً بين الأماكن الأثرية والجمهور الكبير المتوقع قدومه.

وأشار إلى أن الهيئة توجه جهودها للتعريف بتاريخ الإمارات عبر اتباعها لوسائل مختلفة منها برنامج سفير أبوظبي، الموجه للشباب المواطنين الراغبين في معرفة المزيد عن ماضي وحاضر بلدهم، وإتاحة الفرصة أمامهم للمشاركة في التعريف بالواقع الإماراتي عبر التحاقهم ببرنامج «سفير أبوظبي».

تغطية إعلامية

إلى ذلك، خصصت قناة أبوظبي الإمارات، تغطية متميزة وشاملة لفعاليات المهرجان، حيث تنقل قناة أبوظبي الإمارات وقناة أبوظبي الأولى حصرياً، حفل افتتاح المهرجان على الهواء مباشرة وذلك اعتباراً من الساعة الرابعة من مساء اليوم، ويتضمن الحفل العرض الفريد من نوعه «قصة حصن، مجد وطن» للمخرج المبدع فرانكو دراجون، ويسلط الضوء على أكثر من قرنين ونصف القرن من التاريخ الثري لإمارة أبوظبي والمنطقة بوجه عام، ويمثل العرض الذي يجمع بين الثقافة والتقاليد والتخصصات الفنية، قصيدة بصرية غنية ورحلة ثقافية مدهشة تحتفل بمرور أكثر من 250 عاماً من تاريخ البلاد، وتقدم مزيجاً رائعاً من استخدام فريق عالمي من الراقصين وفناني الأكروبات.

ويتواجد فريق أبوظبي الإمارات من معدين ومصورين الموسيقى والأداء والمؤثرات الخاصة، وفضلاً عن ومخرجين بشكل يومي على أرض قصر الحصن في بث مباشر من خلال استوديو يديره كل من حصة الفلاسي وطارق المحياس، ويبث من الساعة الخامسة وحتى السادسة مساءً، اعتباراً من 2 ولغاية 9 مارس المقبل.

– الاتحاد