علياء العامري

صارت برامج وشبكات التواصل الاجتماعي على اختلاف أشكالها مثل الواتس أب والفيس بوك وتويتر والأنستغرام ظاهرة اجتماعية خطيرة، لما لها من تأثيرات على مستخدميها، من نواحي الحياة المختلفة سواء أكانت أخلاقية أم دينية، وخصوصاً على الشباب، والأطفال والمراهقين، حيث انتشرت بينهم بصورة محمومة بلا ضوابط تضبط الأمور، فانبهروا بها حتى أصبحت شغلهم الشاغل، بل وصل حد الانشغال بها عند الكثيرين إلى درجة الهوس والإدمان؛ لأن تلك البرامج قادرة على اختراق الحواجز الزمانية والمكانية والوصول إلى جميع البشر في شتى بقاع الأرض، والانخراط في المحيط المجتمعي مشكِّلة بذلك مجتمعاً افتراضيّاً له قوانينه وقواعده الخاصة، والتي تعمل على تسيير حركته وَفْقاً لآليات وتقنيات الاتصال الحديثة.
ولأن تلك البرامج وغزوها لبيوتنا وعقولنا على اختلاف مراحلنا العمرية صارت أمراً واقعاً وجزءاً لا يتجزأ من حياتنا، فلابد أن نتعامل معها بأسلوب فهم أكثر دقة لهذا العالم الجديد حتى لو كان محفوفاً بالمخاطر، ولابد لنا ألا نبدأ بإصدار الأحكام العامة في النظر لتأثير مواقع التواصل الاجتماعي بوصفه إيجابياً أو سلبياً في المجمل، وإنما كتأثير محايد لأن طريقة استخدامنا الأدوات هي التي تحدد تأثيرها علينا وعلى المحيطين بنا.
فلكل تقنية حديثة خيرها وشرها، فلا يستطيع أحد أن ينكر ما لمواقع وبرامج التواصل الاجتماعي من أهمية كبيرة، فقد أصبحت شهرتها واسعة، وكثر التعامل معها بين الناس؛ حيث يتواصلون من خلالها للتعرف وإرسال رسائل وتلقي الأخبار والموضوعات وكل ما هو جديد في الساحة.
فزادت ثقافتهم وزادت قراءاتهم وغيرت رؤيتهم للأمور حيث أصبحت أكبر وأوضح من ذي قبل، فهي شبكات عالمية فرضت نفسها – وبقوة – داخل المجتمعات العربية خلال السنوات العشر الأخيرة؛ لأنها متاحة للجميع وبالمجان وصممت أساساً لتكون سهلة الاستخدام ومن دون تعقيدات، وجمعت لأول مرة بين النص المكتوب والمقطع المرئي.
ولقد حققت تلك الشبكات سبقاً وتفوقاً على الوسائل الاتصالية والإعلامية التقليدية؛ وخاصة بعد انتشار الهواتف الذكية في السنوات الأخيرة؛ حيث صارت مصدراً جيداً للحصول على المعلومات. وبصورة فورية حتى اعتمدت عليها الكثير من الفضائيات للحصول على الأخبار والمعلومات، على عكس ما كان متوقعاً؛ حيث سبقت بعض مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيس بوك الفضائيات في نشر الأحداث المهمة لحظة وقوعها.
وقد أحدثت هذه الشبكات خللاً في الميزان الإعلامي والاجتماعي في العالم، وحولت المستخدِم لها من متلقٍّ للمعلومات، كما في وسائل الإعلام التقليدية، إلى منتِج للمعلومات ومشارك فيها. وأصبح الشباب يتبادلون وجهات النظر الثقافية والأدبية والسياسية عبر تلك الشبكات لنشر الأخبار والآراء بشكل حر وفي مساحات أكبر وأوسع من ذي قبل بعيداً عن مقص الرقيب.
وإذا كنا قد تحدثنا عن بعض الإيجابيات التي نجنيها من وراء برامج التواصل الاجتماعي فلا تستطيع عين الناقد أن تغض الطرف عن الآثار السلبية الخطيرة التي تعكسها هذه البرامج للدرجة التي آثرت معها مخاوف وجدلاً كبيراً في الأوساط الأسرية ذكرتنا بالجدل الذي أثير قبل أكثر من مائة عام، عندما ظهر الهاتف لأول مرة، فقد أثير بعض الجدل حول المخاطر الاجتماعية التي مثلتها هذه التقنية الجديدة مثل زيادة العنف الجنسي وتدمير العلاقات الإنسانية.
وكان تخوفهم فقط أنه سوف يهاتف الرجال النساء ويوجهون لهن عبارات جارحة، وستصبح النساء عرضة لكم هائل من المخاطر، ولن تصبح هناك محادثات مهذبة مجدداً.
ولكن ماذا لو اطلع هؤلاء على برامج التواصل في أيامنا تلك وعلموا أن الأمر تعدى نطاق المحادثات الهاتفية وبعض العبارات الجارحة، إلى حد انتهاك الخصوصية ونشر الصور ومقاطع الفيديو القبيحة، والتعليقات الإباحية ومكنت الأطفال والمراهقين من التواصل مع الكثير من المنحرفين والشواذ الذين يدمنون الكثير من العادات والعقائد والتصرفات السيئة التي تأخذ بيد شبابنا إلى الرذيلة والدمار النفسي والأخلاقي، مما قد يسببها إدمانُ تلك المواقع أو الشراهة والفرط في الاستخدام، مما يضيّع الوقت في التنقل بين الصفحات والملفات بلا فائدة مما يؤدي إلى عزل الشباب عن واقعهم الأسري وعن مشاركتهم في الفعاليات التي يقيمها المجتمع.
بل تشغل الكثير عن الإخلاص في أعمالهم والأداء بصورة أمثل فيها بسبب تركهم لأعمالهم والانشغال بالمحادثات وتصفح مواقع غير مفيدة أو ذات محتويات لا أخلاقية. وظهور لغة جديدة بين الشباب بين العربية والإنجليزية من شأنها أن تضعف لغتنا العربية مما يضيّع هوية الوطن.
وإذا كانت شبكات التواصل الاجتماعي مصدراً من مصادر الأخبار فإن هناك صعوبة شديدة في التأكد من المصدر الأساسي للمعلومة وخاصة للمستخدمين الذين يهدفون إلى نقل تلك المعلومات؛ لأن إمكانية تزوير الصور والكتابات والمعلومات قائمة باستخدام برامج متوفرة وبالمجان في كثير من الأحيان.
ويعد انتهاك الخصوصية من أشد الأخطار المتعلقة بتلك البرامج حيث يمكن اختراق حسابات المستخدمين وانتحال شخصياتهم بل الاعتداء عليهم بالحوارات البذيئة والعبارات غير اللائقة، والخلافات التي تتعدى حد الانصاف إلى التجريح والاعتداء بالألفاظ الجارحة وغير اللائقة.
وخصوصاً على الذين ليس لديهم الوعي الكافي بأساليب استخدام تلك البرامج بشكل آمن، وبعض الاختراقات يمكن أن تتم في غضون دقائق وبأساليب بسيطة. وتعد الهواتف الذكية من أكثر القنوات التي يمكن الاختراق من خلالها نظراً لعدم نضج وسائل الحماية فيه وفي برمجياته.
فزيادة الثقة في برامج التواصل الاجتماعي تزيد نسبة المخاطر والتهديدات لحساب الشخص بشكل طردي مع قيمة المعلومة التي ينشرها بالتالي فإن من واجب الشخص الحرص على الاستخدام الآمن لتلك البرامج؛ كاستخدام رمز سري قوي، وعدم النقر على الروابط غير المعروفة، واستخدام برامج الحماية المختلفة وتحديثها بشكل دائم، وكذلك الوعي بوظائف الأمان والحماية المتوفرة في الهواتف الذكية والحواسيب الآلية.
ومن الأمور التي يجب ألا يغفل عنها الآباء هي حماية أبنائهم من التواصل مع الأشخاص الذين ليسوا في أعمارهم مما قد يكون له أثر سلبي على سلوكهم والأسوأ هم الأشخاص الذين ينتحلون شخصية الأطفال للإيقاع بأبنائنا وإلحاق الأذى بهم ولابد على الآباء أن يقوموا بوظيفتهم في مساعدة أبنائهم في التعامل مع برامج التواصل بحكمة، ومساعدتهم في فهم وتجنب بعض المخاطر الاجتماعية والتبعات الناتجة عن ارتكاب أخطاء أثناء استخدام هذه البرامج ومعرفة علاقات أبنائهم على هذه الشبكات والتحقق من هوياتهم قدر الإمكان
وإذا كانت برامج التواصل الاجتماعي قد أصبحت إدماناً وهوساً حيث احتلت بيوتنا وقسمت أسرنا فشغلت الوالد عن أسرته والأم عن الاهتمام بأسرتها، فهما في واد والأبناء في واد آخر، فتفككت الأسر وربما هدمت بسبب وقوع أحد الزوجين وربما كلاهما في شرك علاقة غير سوية، والأمثلة كثيرة تصدم مسامعنا كل يوم.
مما يستوجب قيام المجتمع بدوره في التوعية بأهمية تلك البرامج والتحذير من مخاطرها وذلك عن طريق عقد اللقاءات والمؤتمرات وتوجيه الناس بالحسنى والموعظة الحسنة عن أهم الاستخدامات السيئة للشبكات الاجتماعية عن طريق خطب المساجد واللقاءات التلفزيونية، وكذلك المقررات التعليمية التي يجب أن تحتوي دروساً تعالج أهمية تلك الشبكات والتحذير من مخاطرها.
وتشجيع الشباب على ابتكار شبكات تواصل اجتماعي عربية، تهدف في المقام الأول إلى خدمة الشباب العربي، مع رصد مكافآت مالية كبيرة؛ لتشجيع الشباب على الابتكار. كما يجب سن القوانين والتشريعات التي تجرم الاستخدام السيئ للشبكات الاجتماعية.
– البيان