ظاعن شاهين

وصلتني ردود كثيرة على مقالي الموسوم «نتوقف.. نمضي»، والمتعلق بالتغيرات التي طرأت على بنية وهيكلية الصحافة الورقية، وقدرتها على الاستمرار والمنافسة في ظل المتغيرات التي أوجدتها وسائل التواصل الحديثة.

وفي الوقت الذي بدأ فيه البعض بالتخلي عن العادات التقليدية في القراءة واستبدالها بالتصفح الإلكتروني، لا يتخيل آخرون ألا تكون هناك صحيفة على طاولة الإفطار الصباحي في المستقبل، ما يشير بالنسبة لهم إلى استمرارية الصحف وعدم تلاشيها قريباً.

هذا الإحساس عبّر عنه الأستاذ سعيد الشارد الذي أشار في تعليق له على المقالة السابقة قائلاً: «يظل الشعور تجاه الصحيفة الورقية، شعوراً شخصياً وعاطفياً، وكأنها جزء من الإنسان، يتفاعل ويتجاوب معها، وأحياناً تكون الصحيفة بمثابة الصديق الخاص والمرافق الدائم، ولا أعتقد أنه من السهولة بمكان الاستغناء قريباً عن الصحيفة الورقية، أو نهائياً، فالورق ما زال له مفعول السحر، خاصة عندما تفتح صفحات الصحيفة على مصراعيها، وتجول بعينك وقلبك وعقلك في أخبارها ومعلوماتها، وباختصار أنت تعيش مع الصحيفة الورقية بسعادة قد لا تجدها غالباً في الصحيفة الإلكترونية».

هذا الإحساس الصادق الذي طرحه سعيد الشارد، يناقضه كتاب «نهاية الصحيفة» لفيليب ميير الذي يتنبأ بأن تنتهي الصحافة الورقية في العام 2043، مستنداً في تحليله إلى أرقام التوزيع التي تأثرت بالتراجع في الولايات المتحدة الأميركية، بشكل كبير ومزعج للناشرين.

ورغم تلك النظرة المتشائمة، يرى فيليب أن هناك فرصة مواتية أمام الصحف لإنقاذ ذاتها، إذا اعتمدت النموذج الاقتصادي الذي يقترحه في كتابه، والذي يعتمد على وظيفة المسؤولية الاجتماعية للصحافة التي يجب أن تكون هي المنتج الأساسي للصحافة، وليس الأخبار أو المعلومات.

والواقع أن من ينظر نظرة متأنية، يرى أن الصحافة الورقية اليوم لا تستطيع أن تعمل وحدها بمعزل عن المعطيات الأخرى، وحتى لا تموت أو لا تعاني من الهزال المفضي للموت، لا بد للمؤسسات الإعلامية، عاجلاً أو آجلاً، من تغيير الاستراتيجيات وإجراء عمليات اندماج وشراكة بين الوسائط الإعلامية المختلفة، وتوظيف غرف أخبار مشتركة لتقديم خدمات متميزة للمتلقي، بوسائل ومعالجات جديدة للمحتوى تكون جاذبة ومنافسة.. هنا لن تتوقف الصحف، بل ستمضي بقوة الإعصار..

-البيان