عائشة سلطان

في فشل العلاقات الزوجية هناك أسباب وعوامل ومقدمات، المهم أن النتيجة المسجلة في المحاكم هي ارتفاع معدلات الطلاق في المجتمع بدرجة قياسية نسبة للمجتمعات الأخرى، وهي ظاهرة اجتماعية تربوية بامتياز، لها علاقة مؤكدة بتراجع سلم القيم والعواطف أولا، وبتراجع دور الأم في التربية المباشرة للأبناء والبنات، وبمواضيع أخرى جانبية كالرفاه والاستقلالية الاقتصادية للفتاة وللمرأة عموما، وتراجع دور التوجيه والضبط العائلي في حياة الأبناء وبالاختفاء التدريجي لجيل عظيم من الأمهات الجليلات اللواتي ظللن يحافظن على العائلة والأسر التي تفرعت منها بكل الوعي الذي منحته لهم الحياة الصعبة التي عشنها.
هؤلاء الأمهات العظيمات جداً كن السبب في استقرار الأسرة قديماً وضبط حركة التوازن فيها، حيث يلعب توازن العلاقات بين الزوج وزوجته العامل الرئيس في استمرار الأسرة وسعادتها، فقد حافظت هؤلاء النساء على بقاء المرأة مرأة لها وعليها، بل وتفوقن على الرجل أحيانا في لعب أدوار غاية في الأهمية، وبقي الرجل رجلاً له وعليه، لم يتخل عن مسؤولياته لأنه رجل مطلق الحرية والتصرف، لم تتحول المرأة إلى ربان سفينة ولا إلى شخص بلا قيمة، ولم يكن الرجل حاكماً بأمره أبدا، ظلت خيوط العلاقة متزنة ومتوازنة ومنضبطة لأن هناك وعياً فطرياً بقيمة العائلة وبمسألة الحقوق والواجبات والتقدير بين الطرفين.
ما بال بناتنا وشبابنا يتطلقون اليوم بعد مضي 6 أشهر من بدء مشروع الزواج، وبعد تعب وجهد جهيد وتكاليف وخسائر لا تعد ولا تحصى، أصبحت “أنت طالق” كشرب جرعة ماء ، سهلة ولا ترج كيان الرجل أو تقلب حياة المرأة كما يجب أو كما كان، تذكرت للتو مشهداً في مسلسل مصري، “تتناقر” الزوجة مع زوجها في حوار درامي غاية في الإسفاف والابتذال، وحين يقذف في وجهها عبارة أنت طالق ثلاثا تضحك وتقول بسماجة: إنها أجمل كلمة سمعتها منك منذ تزوجتك !!
هذا الذي نراه في هذه النوعية السيئة من الأعمال الدرامية انتقل إلى بيوت البعض منا، وصار الطلاق قضية شخصية بحتة، لا يدرج في حساباتها: أطفال سيعانون الأمرين، ومؤسسة زواج ستنهدم لرعونة وقلة نضج كان يمكن إصلاحها بتدخل العقلاء من جانب الزوج والزوجة، هؤلاء يحتاجون كثيرا لأن يسمعوا ويعرفوا كيف أدارت أمهاتنا مؤسسة الزواج المقدسة بحكمة ووعي وأدب جم، فالزواج ليس مهراً وبيتاً وحفلة عرس يتحدث عنها الناس بدهشة وحسد، هذه مجرد حفل تدشين لا أكثر، الشراكة الحقيقية تبدأ حين ينفض السامر وتبدأ الزوجة والزوج في الإفصاح عن شخصياتهما الحقيقية بوضوح تام.
هؤلاء الصغار الذين وضعهم أهلهم على طريق الزواج يحتاجون للنصح والمشورة والحزم والصرامة أحيانا والتبصير والتبصر أكثر مما يحتاجون لمن يوافقهم الرأي ويصطف إلى جانبهم في الصح والخطأ ، وبلا شك فإن استمرار هذه الأسرة الصغيرة يستحق بعض التضحيات وخاصة تلك المتعلقة بوضع العناد جانباً.
شهدت كثيراً من المواقف لنساء من جيل أمهاتنا وقفن كطود صلب في مواجهة محاولات الأبناء هدم أسرهم برعونة وطيش، كانوا صغارا ربما أو قليلي النضج وربما عديمي التجربة، كانوا بحاجة لهذا النوع من الأمهات الجميلات اللواتي يفكرن بمنطق المصلحة والحرص، مصلحة الأسرة الصغيرة والأطفال والحرص على استمراريتهم معا، فأبعدوا بوعيهم الذي غرسته فيهم التجارب والحياة الطويلة شبح الطلاق وحفظوا الكثير من القيم والعواطف والروابط .. نحن بحاجة دائمة وماسة لهؤلاء الأمهات والجدات في كل حين

– عن الاتحاد