د. محمد حسين اليوسفي

عاش سكان تمبكتو الخمسة والخمسون ألفاً، أشهراً من الرعب تحت حكم الجماعات الإسلامية المتطرفة، فخلال الشهور العشرة لسيطرتهم على المدينة التاريخية التي تقع في جمهورية مالي، أراد هؤلاء تطبيق الشريعة الإسلامية حسب نظرتهم الضيقة، بادئين بالحدود كالرجم والقطع والجلد، دونما مراعاة لشروط تطبيق هذه الحدود، وأبسطها تهيئة النفوس، وإشاعة العدل.

والقضاء على الفقر وغيره. ولم يقتصر فعل هذه التنظيمات على ذلك، بل إنهم أعملوا معاول الهدم في أضرحة ومبان تعتبر من التراث التاريخي، وهي مقصد للسياح الأوروبيين على وجه التحديد. ولم تسلم مخطوطات المدينة هي أيضاً من عبثهم وتخريبهم.

ومدينة تمبكتو هي حاضرة الإسلام في غرب إفريقيا، بناها الطوارق في القرن الحادي عشر للميلاد، وبعد مئة عام من ذلك أصبحت محطة مهمة للقوافل القادمة من أعماق إفريقيا.

والمحملة بالذهب والعبيد والمتجه شمالاً صوب البلاد الواقعة على البحر الأبيض المتوسط. ثم ما إن هَلَّ القرن الخامس عشر إلا وكانت تمبكتو مدينة تجارية مزدهرة، إلى جانب كونها مركزاً علمياً يحوي العديد من المدارس والمكتبات التي تضم آلاف المخطوطات.

يقول سيولي إغواما كونتا، أحد سكان تمبكتو والبالغ من العمر سبعين عاماً وصاحب إحدى تلك المكتبات، لمراسل «دير شبيغل» الألمانية (12/2/2013)، إنه عندما سيطرت القاعدة ومناصروها على المدينة وكل سكانها من المسلمين، جمعوا أعيانها وأخبروهم بأنهم منحرفون عن الدين القويم.

ثم يقول: فما كان مني إلا أن أخفيت أعز المخطوطات إلى قلبي في رمال الصحراء، تحوطاً عليها من غلو هؤلاء. ويضيف: وقد صدق إحساسي، فحينما بدأت القوات الفرنسية بقصف المدينة، أضرم المتطرفون قبل أن يفروا من المدينة – النار في مدرسة أحمد بابا التاريخية، التي كانت تحوي أكثر من 30 ألفاً من المخطوطات، فتلف منها نحو ألفي مخطوطة!

ومن حسن الصدف أن معظم تلك المخطوطات التاريخية التي يعود البعض منها إلى القرنين الحادي عشر والثاني عشر، محفوظة بفضل جهود جمهورية جنوب إفريقيا، التي كانت انطلاقتها من زيارة رئيسها السابق ثابو مبيكي للمدينة التاريخية في العام 2001.

حيث أمر بتمويل حفظ تلك الوثائق إلكترونياً، في إطار خططه الطموحة لما سماها «النهضة الإفريقية». هذا فضلاً كما يقوله مراسل الـ«بي بي سي» (2/2/2013) عن خبرة أهلها في حفظ المخطوطات والاعتناء بها.

وما أوقع تمبكتو وشمال جمهورية مالي في أيدي المتشددين، كان الانقلاب الذي جرى على الرئيس الشرعي أحمدو توري، الذي أعيد انتخابه للمرة الثانية في العام 2007. وجاء الانقلاب في مارس العام الماضي، وسط فلتان أمني من جراء عودة الماليين العاملين في ليبيا في العام 2011 إثر الثورة على القذافي، وسخط قبائل الطوارق، ما سهل على التنظيمات الإسلامية المتشددة السيطرة على شمال البلاد.

واستطاعت التنظيمات الإسلامية المتشددة أن تجعل لها مصادر تمويل ثابتة، من الفدى (جمع فدية) التي يدفعها الغربيون لتحرير رهائنهم.

فقد أوضحت السفيرة الأميركية السابقة في مالي، فيكي هدلستون، للـ«بي بي سي» (9/2/2013) أن فرنسا دفعت 17 مليون دولار لتحرير رهائن تم احتجازهم عندما كانوا في منجم لليورانيوم عام 2010، في حين أن دولاً أوروبية أخرى بينها ألمانيا، دفعت فدى بلغت نحو 90 مليون دولار. وهذه الأموال تقول منتقدة أضحت مورد هذه الجماعات التي تقاتل القوات الفرنسية حالياً.

وبينت عملية الهجوم على محطة الغاز في منطقة عين أميناس جنوب الجزائر في يناير الماضي، مدى سيطرة هذه الجماعات على المناطق الحدودية في شمال مالي والمناطق الصحراوية المجاورة، وهي مناطق شاسعة تضعف فيها سلطة الدولة المركزية، الأمر الذي يتيح الازدهار لمثل هذه التنظيمات المتطرفة. ولعل في هذه النقطة يكمن الشبه بين ما يجري في الشمال الإفريقي، وبين أفغانستان وباكستان.

ولا شك أن تقوية السلطة المركزية في مالي وفي تلك الدول المجاورة التي تنشط فيها تنظيمات القاعدة وحلفاؤها، لا يكفي وحده لوضع حد لنفوذها، بل المطلوب أيضاً وضع خطة لتنمية مستدامة، خاصة أن المنطقة تحوي في باطنها ثروات طبيعية هائلة، فضلاً عن تحرير هذه الشعوب من براثن الفقر والعوز، الذي هو الحاضنة الاجتماعية للتطرف السياسي بكافة صوره.

– البيان