ميساء راشد غدير

تغير كثير من المظاهر والسلوكيات في مجتمعاتنا بتقدم السنين، وهو أمر طبيعي نتيجة التغيرات التي طرأت على هذه المجتمعات، والتي فرضت بدورها تغييراً على أفرادها ومن يقيم فيها. ومن أبرز الظواهر الاجتماعية التي أصبحت تؤثر فينا، ظاهرة “الاستقلال” الذي أصبحت أسر كثيرة تعتمد عليه في تفسير كثير من قراراتها، سواء كنا نتحدث عن السكن أو الإنفاق المادي أو اختيار شريك الحياة أو الوظيفة.. وغير ذلك من القرارات.

لسنا ضد الاستقلالية ودعمها في كثير من المسائل، ولكن هناك مسائل مهمة لا بد فيها من المشاركة والرقابة الأسرية، ولا بد أن يكون للأسرة، لاسيما الوالدين، الدور الأكبر في التوجيه والإرشاد تجاه أبنائهم. اختيار الأصدقاء والرفقة من أهم المسائل التي لا يفترض تسليمها اليوم إلى “الاستقلالية” المطلقة، لاسيما مع الأطفال والمراهقين والشباب الذين ينبغي علينا كآباء وأمهات، أن نتحمل مسؤولية كبيرة في مسألة اختيارهم لرفقائهم، فمن خلال الرفيق والصديق تكتب السيرة الذاتية لأبنائنا ويكون التفسير لمعظم سلوكياتهم.

الصديق هو المؤثر الأول بعد الأسرة، إن لم يتفوق عليها في كثير من الأحيان، وهو من يقضي معه الجيل الجديد جل وقته فعلياً، في المدرسة، أو في المراكز والمرافق العامة، أو من خلال التواصل التقني ووسائله المتوفرة، وهذا النوع من الارتباط والتأثير معروف، ليس من الآن، بل منذ القدم.

ولكن التحديات أمام الصداقات والرفقاء لم تكن بحجم ما نواجهه اليوم من مشكلات يتعرض لها الأبناء ويقعون ضحايا لها، بسبب الرفقة وأصدقاء السوء، مثل تعاطي المخدرات والتأخر الدراسي والعنف، وغيرها من المشكلات السلوكية التي أصبح مجتمعنا المحلي يعاني منها أكثر من أي وقت مضى، بسبب غياب رقابة الآباء والأمهات على الأبناء ومن يرافقون، وبسبب تراجع أدوارهم بالنسبة لاختيار الصديق أو المنع عنه، بحجة أن ذلك قرار يعود للابن أو الابنة، ويدخل في نطاق الاستقلالية أو الحرية الشخصية.

القيادة العامة لشرطة دبي تبنت حملة توعوية حول خطورة أصدقاء السوء والتأثير السلبي من مرافقتهم لأبنائنا، وتأثير ذلك على الأجيال. ونحن واثقون من أن هذه الحملة لم تأت من فراغ، بل بعد دراسات توصلت فيها الشرطة إلى أن الرفقاء هم السبب الأبرز وراء معظم القضايا التي وقع فيها المراهقون والشباب،.

وهو الأمر الذي يستدعي منا جميعاً، آباء وأمهات، التنبه لهذه المسألة والتعاون مع هذه الحملة، ليس من أجل إنجاحها فحسب، بل من أجل الحفاظ على أبنائنا من التحديات المحدقة بهم، في وقت لا يدركون فيه المعنى الحقيقي للصداقة، وفي الوقت الذي قد تستغل فيه صداقتهم فيكون الصديق عدواً لهم.