د. فاطمة الصايغ

ظهرت منذ فترة ليست بالبسيطة مصطلحات كثيرة تحاول ربط الدين بالسياسة منها الإسلام السياسي وأسلمة المؤسسات والأفكار الجهادية والتكفيرية وغيرها من المصطلحات التي تحاول الزج بالدين عنوة في السياسة لتحقيق مآرب وأغراض سياسية وأيدلوجية ضيقة. وظهرت نتيجة لذلك أحزاب ومنظمات قائمة على أسس دينية بعضها دعوي والآخر أيدلوجي والثالث مختص باستصدار فتاوى دينية – سياسية ورابعة لا هدف لها إلا تبني التطرف والعنف وبث روح الطائفية البغيضة وإحداث فرقة في صفوف المسلمين.

هذا الوضع أدخل العالم العربي والإسلامي في دائرة من الصراعات الأيدلوجية وحرمه من الاستقرار والأمن اللازمين لتحقيق التنمية والرفاهية. كما حرم تلك البلدان من الاستفادة القصوى من مواردها الطبيعية كونها قد سخرت تلك الموارد لخدمة أغراض أيدلوجية وسياسية والدخول في صراعات إما داخلية وأما خارجية مع الآخرين. هذا الحال قدم للآخر صورة عن الإسلام بأنه دين عنف وتطرف وليس دين سلام وتسامح ووسطية.

اشتق الإسلام اسمه من كلمتين هما سلم وسلام وهما الكلمتان اللازمتان لرخاء المجتمعات واستقرارها. كما جاء الإسلام للقضاء على كل أشكال التعصب والعنف والتشدد والتطرف عن طريق نشر مبادئ الإسلام القائمة على الوسطية والتعددية والعدالة الاجتماعية والتسامح وتقبل الآخر المختلف فكرياً وعرقياً ودينياً. وقد ساهمت وسطية الإسلام وتسامحه في انتشاره وبسرعة فائقة إلى كل أصقاع الأرض. فقد اتبع المسلمون الأوائل سياسة الإقناع وليس السيف في الكثير من البلدان الأمر الذي جعل ملايين من الناس تدخل الإسلام دون حرب.

ولكن على الرغم من مرور أربعة عشر قرناً على ظهور الإسلام ودخول أكثر من مليار ونصف المليار نسمة من كل قارات العالم إلى الإسلام إلا أن بعض التيارات الإسلامية الجديدة تصر على أنها هي فقط من يمثل الإسلام الصحيح مع اقتناعها التام بأن إقصاء غيرها من المسلمين سوف يمهد لها الطريق نحو التفوق ونشر أيديولوجيتها الدينية عن طريق تكفير غيرها. هذا التوجه الضيق يدعونا للتمعن في كيفية انتشار الإسلام في بدايات قيام الدولة الإسلامية والطريقة التي اتبعها المسلمون الأوائل في نشر الإسلام وقيمه.

فمما لا شك فيه أن الإسلام جاء بمبادئ واضحة بهدف نشر قيم التسامح والعدل بين كل شعوب العالم. وكانت تعاليم الإسلام واضحة في الدعوة إلى دين الله بالموعظة والكلمة الحسنة، حيث أراد الخالق عز وجل أن يكون الإسلام خاتم الأديان وبالتالي أن يكسب قلوب البشر كافة ولكن بالرحمة والعدل والتسامح والإقناع وليس بالعنف والإكراه والإجبار. وبالتالي جاء انتشار الإسلام منذ القرن الأول الهجري / السابع الميلادي انتشاراً كبيراً ليدل على حقيقة الإسلام والمسلمين. ولم يأت القرن العاشر الميلادي إلا وكان الإسلام قد انتشر في كل أرجاء المعمورة.

وقد جاء انتشار الإسلام في دول آسيا كمثال ونموذج لقيم الإسلام والمسلمين. فقد انتشر في جنوب شرق آسيا، ليس عن طريق السيف والعنف ولكن عن طريق التجارة، حيث ضرب التجار المسلمون أروع مثل على ما يحتويه الإسلام من قيم ومبادئ رائعة، وبالتالي وجد سكان تلك المناطق في الدين الإسلامي ضالتهم ودخلوا فيه دون إكراه وعن اقتناع تام. فقد نقل لهم العرب المسلمون ليس فقط التجارة بل مبادئ الإسلام السمحة الصحيحة التي أنارت لهم حياتهم ورسمت لهم خطاً جديداً اقتنعوا به.

هذه هي مبادئ الإسلام القائمة على الاقتناع والإقناع وليس على العنف والبطش والقوة. وبالتالي دخل إلى الإسلام شعوب كثيرة أضافت إلى الحضارة العربية الإسلامية وأوجدت منها مزيجاً متميزاً. فلو نظرنا إلى رواد الحضارة العربية الإسلامية لوجدنا أنهم يكونون فسيفساء جميلة من كل بقاع الأرض. فهناك الفارابي وابن سينا والخوارزمي وهم من غير العرب الذين أضافوا من علمهم إلى حضارة الدولة العربية الإسلامية والتي أصبحت عواصمها مراكز جذب للمفكرين والعلماء.

لقد كانت الدولة آنذاك حاضنة للعلم والحضارة فلا غرو أن يتقاطر إليها طلبة العلم وأهل الفكر والعلماء ليستقروا في بقاعها وينهلوا من علومها ويستفيدوا من حالة الحراك الفكري والعلمي التي تمتعت به.

هذا الوضع يجعلنا نقارن اليوم بين الحواضر العربية التي أصبح معظمها يعج بالعنف وعدم الاستقرار وفقدان الأمن والأمان وبالتالي أصبحت طاردة للعقول عوضاً عن أن تكون جاذبة لها.

حتى لا ننسي إسلامنا الصحيح القائم على العدل والمنطق والاقتناع يجب ألا ندع لتلك التيارات الفرصة لكي تتفوق وتنشر أفكارها وذلك باختيار الخطاب الإعلامي الصحيح الذي يكشف زيف تلك التيارات التي تحاول اختطاف الإسلام عن الطريق القويم والزج به في أتون الصراعات المذهبية أو الأيدلوجية التي لا هدف أو غاية لها سوى تفرقة المسلمين. كذلك يجب توظيف التقنيات الحديثة في إيصال رسالة الإسلام الصحيحة إلى العالم والتعاون بين المنظمات الدينية المعتدلة من أجل إيصال رسالة الوسطية إلى الآخر. بهذا نكون قد أدينا جزءاً من واجبنا في حماية ديننا والذود عنه.

– البيان