ماهر منصور
نعت دمشق عميد فنانيها الضاحك الباكي الفنان تيسير السعدي عن عمر يناهز 97 عاماً قضى منها 62 عاماً، مخرجاً وكاتباً وممثلاً، في المسرح والإذاعة والتلفزيون والسينما.
يعد الراحل تيسير السعدي هو من أقدم الفنانين الأكاديميين في الوطن العربي، درس الرجل الفن في معهد التمثيل في القاهرة ابتداء من العام 1945 على يد الفنان الكبير “زكي طليمات” إلى جانب عدد من الفنانين من بينهم “فاتن حمامة”، “سميحة أيوب”.. قبل أن يعود إلى دمشق ليستكمل ما كان بدأه، هاوياً، على المسرح مع “أنور البابا، عبد السلام أبو الشامات” قبل مغادرته إلى مصر، حيث قام معهما إضافة إلى القصاص الشعبي حكمت محسن، بتأسيس “الفرقة السورية للتمثيل والموسيقا” حيث تولى السعدي مهمة إخراج أعمال الفرقة، وكان محسن كاتبها، فيما انضم إلى الفرقة عدد من الممثلين الآخرين أهمهم : فهد كعيكاتي (أبوفهمي) وأنور البابا (أم كامل).
كانت الإذاعة السورية تأسست في 17نيسان عام 1946، ومعها بدأ العمل الفني يأخذ تقاليده، وكان من الطبيعي أن تنهض الفرقة السورية بعدد من أهم الأعمال الدراما الشعبية الإذاعية وقتها، كرست اسم تيسير السعدي والقصاص الشعبي حكمت محسن كثنائي فني، واستطاعت الفرقة عبر تجربتها الإذاعية التي استوحيت حكاياتها من الشارع أن تلف الناس حولها وأن تدخل قلوب الناس بسهولة، فكانت تأسس منذ أواسط الخمسينات لقاعدة لانطلاق الدراما السورية التي نشهد انتشارها الواسع اليوم، وبطبيعة الحال كان العمل معها بمثابة انطلاق لعدد من الوجوه الفنية.
وتبقى سلسلة “صابر وصبرية” التي قدمها تيسير السعدي مع زوجته صبا المحمودي في ما يزيد عن “1200” حلقة كانت الأهم بين ما قدمه للإذاعة، حيث لاقى العمل جماهيرية كبيرة وترسخ الاسم “صابر” لـ” تيسير السعدي” بين الناس لم يزيحه إلا لقب “الحكواتي” الذي برع بأداء دوره، لدرجة الاستعانة به كراو لحكاية مسلسل “الزير سالم” للمخرج حاتم علي.
الإذاعة شكلت الركن الأساسي في تجربة الفنان تيسير السعدي فلم يسجل حضوره في السينما إلا في ثلاثة أفلام فقط رغم أنه عاصر فترة ازدهار سينما القطاع الخاص في سورية كما ارتبط بعلاقة مع الأوساط الفنية في مصر وجسد واحد من أفلامه الثلاثة مع الفنانة فاتن حمامة، أما في التلفزيون فقد دخله وقد تجاوز عمره الخمسين، مما حد من طبيعة أدواره في التلفزيون، التي اشتهر فيها بأدائه العفوي لدور “الحكواتي”، فضلاً عن دور البطولة في مسلسل ” تجارب عائلية”.. كما كان للراحل مشاركة في عدة مسلسلات منها: “صح النوم” و”الدنيا مضحك مبكي”.. وكان مسلسل “أيام شامية” الشهير آخر أعماله، حيث أدى فيه شخصية المنجد.
مما لا يعرف كثيراً عن الراحل تيسير السعدي أنه من جسد شخصية “أبو ريشة” في مسرحية “غربة” إثر تعرض صاحب الدور الفنان نهاد قلعي لأزمة الصحية، ولم يعد بعدها الفنان قلعي للعب الدور إلا عندما سُجلت هذه المسرحية للتلفزيون في الأردن.
ويعرف الفنان السعدي بأنه ” ممثل بسبعة أصوات” لقدرته الفائقة على تقليد الأصوات، وهو الوصف الذي اختارته د. ميسون علي عنواناً لكتابها عن سيرته التي أصدرته أمانة دمشق عاصمة للثقافة العربية في 2008، وعن وصف «ممثل بسبعة أصوات»، تقول د. علي إن الفنان السعدي فوجىء بغياب ممثلي إحدى تمثيليات الإذاعية عند تسجيلها مما اضطره القيام بأداء أدوار أربعة ممثلين وحده.. إضافة إلى أصوات كركوز وعيواظ والجاهل المتفاصح، ليسجل بصوته على هذا النحو سبعة أصوات في عمل واحد.
يعد الراحل تيسير السعدي الشاهد على تجربة كاملة للفن السوري ابتداء من المسرح السوري الذي أولى أدواره فيه بسن الثانية عشر في مسرحية “أوديب ملكاً” مروراً بتجاربه بمسرح خيال الظل وارتباطه الفني الوثيق بشخصيتي ” كركوز وعيواظ”، وشهد ولادة إذاعة دمشق، كما شهد قيام المسرح السوري بشكله الحديث، ويقول الفنان السعدي إنه شهد ولادة الكهرباء في دمشق، كما شهد ولادة السينما الصامتة، وولادة إذاعة دمشق…وبما لا يقبل الشك أنه شهد ولادة الدراما التلفزيونية السورية، حتى لو لم يسجل اسمه في أولى أعمالها، فليس خفياً على أحد أن مخرجي الإذاعة هم من نهضوا بداية بأعمال التلفزيون السوري الدرامية.