لم يكن يعلم مارك زوكربيرج، مؤسس موقع الفيسبوك الاجتماعي العالمي، الذي يعد اليوم من أكبر مواقع التجمعات البشرية على الشبكة العنكبوتية، أن موقعه، الذي تمخض وبشكل غير متوقع عن موقع “فيس ماش” في عام 2003، والذي اقتصرت عضويته على طلاب جامعة هارفارد فقط، قبل أن ينطلق للعالمية في عام 2004، سيصبح في يوم من الأيام، وبعد سنوات قليلة، أقوى وأكبر مواقع التواصل الاجتماعي على الإطلاق، وأنه سيطرح للاكتتاب العام بمليارات الدولارات، وأنه سيعود على مالك ومؤسسه بهذه الأموال التي لا تعد ولا تحصى. ولم يكن يعلم مارك زوكربيرج في نفس الوقت أن موقعه هذا سيتحول إلى وسيلة، لإزهاق الأرواح، وسيكون بمثابة الأداة المثالية للعديد من رواده للإقدام على الانتحار.

قد يدرك الآلاف من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، وبالأخص أشهرها جميعاً موقع “فيسبوك”، المخاطر التي تنجم وتنتج عن هذه المواقع، وخصوصاً في مجتمعاتنا العربية “المحافظة”، وقد لا يدرك الملايين من مستخدمي هذه المواقع الاجتماعية، مدى خطورة الإهمال، وعدم الحفاظ على خصوصيتهم، وعدم وعيهم وإدراكهم الكامل، خلال تعاملهم مع مثل هذه المواقع، التي باتت اليوم مخاطرها ومساوئها.. قريبة جداً إلى محاسنها وميزاتها والفوائدة المرجوة منها.

نمط حياة أفضل

وبغض النظر عن الهدف والغاية المرجوة من مواقع التواصل الاجتماعي التقليدية، يأتي اليوم موقع “كوانتيفيد سيلف/Q antified Self” أو بشكل مختصر QS، بطريقة وفكرة جديدة تماماً، لم يسبقه ولم يأت بها غيره من المواقع الاجتماعية المتعارف عليها في أيامنا الحالية. فهذا الموقع الذي يعتمد على جمع البيانات الذاتية الشخصية والخاصة بأعضائه والراغبين في التسجيل به، حيث يتطلب عليك كعضو جديد بالموقع، أن تكون على دراية كاملة بالعديد من الأمور الصحية المتعلقة والمرتبطة بك.

فيجب عليك أن تقوم وبشكل دوري بقياس ضغط الدم الخاص بك، وتزويد موقع QS بها، كما يجب عليك أن تعرف ما هي نسبة السكر في دمك، وعدد السعرات الحرارية المستهلكة والوزن الإجمالي، هذا بالإضافة إلى قياس موجات الدماغ الخاصة بك من خلال أجهزة ومعدات طبية خاصة، كل هذا بالإضافة إلى العديد من المعلومات الصحية الأخرى، والنتائج والقيم الخاصة بك، يتطلب منك معرفتها وتحميلها عبر برنامج خاص وتابع للموقع، ليتم تبادل هذه المعلومات والبيانات عبر الموقع ومع العديد من المشاركين والأعضاء الآخرين فيه، الذين قاموا هم بدورهم بتزويد الموقع سابقاً بمثل هذه النتائج والبيانات الصحية الخاصة بهم.

سلبيات وإيجابيات

يعتبر الألماني “فلوريان شوماخر” أحد أعضاء موقع QS، وأحد مؤسسيه، والذي يقوم وحسب الوكالة الألمانية “دي دبليو”، بجمع المعلومات الصحية والشخصية، حول تحركات جسده، وتحركاته الجسمانية، في كل يوم ويقوم برفعها على الموقع، عدا قيامه بجمع معلومات مختلفة أخرى تتعلق بتصرفاته وأفعاله اليومية. فهو يقوم في كل يوم بتدوين الخطوات التي قام بمشيها، بالإضافة إلى عدد الساعات التي زار بها موقع فيسبوك مثلاً في الشهر أو السنة، عدا عن الساعات التي يقضيها في النوم… إلى غير ذلك من أمور شخصية مرتبطة بحياته، يقوم برفعها على الموقع ومشاركة الأعضاء الآخرين بها.

وفيما يرى شوماخر ورفاقه والعديد من الأعضاء والمنتمين للموقع، أهمية مثل هذا الموقع وتلك المعلومات، وإيجابياتها الكثيرة، وما يبدوه من رغبة في معرفة وتحسن أسلوب حياتهم الصحية، يستهزئ في نفس الوقت العديد من الأشخاص غير المنتمين لهذا الموقع، ويعتبرونه حماقة وهلوسة، حيث يرى بعض النقاد وبعض الأطباء بحسب ما ذكرته الوكالة الألمانية، أن هذا التوجه له العديد من المساوئ والمخاطر، على رأسها انتهاك الخصوصية الذاتية، وسوء فهم واستعمال البيانات والأرقام والنتائج الصحية.. التي يقوم أعضاء الموقع بتزويده بها.

نمط صحي ومفيد

لا يمكننا اعتبار وإدراج عملية قياس ومعرفة بعض الأرقام والنتائج الخاصة بصحة الشخص، ضمن خانة الحماقة، حيث إن الرياضيين ومصابي سكر الدم والضغط العالي، يقومون بمثل هذه الفحوصات بشكل دوري، للمحافظة على لياقتهم، خاصة في حالة الرياضيين، حتى لا ترتفع نسبة السكر في الدم أو الضغط في أجسامهم، وتكون عندها العواقب غير حميدة. وهذه العادات ليست بالجديدة بل هي قديمة ومطبقة منذ سنوات طويلة، أما الجديد اليوم ومن خلال موقع QS الاجتماعي، فإن أعضاءه وبفضل التكنولوجيا المتطورة اليوم، وبفضل هذا الموقع أصبحوا قادرين على إيجاد الحلول والابتكارات الجديدة، التي تساعدهم على تحسين وتغير نمط حياتهم وبشكل يتناسب مع حاجاتهم وتطلعاتهم المستقبلية.

وهذا ما يزيد في ثقة فلوريان، حسبما أوضحته الوكالة الألمانية، والذي يزداد حماسه وتعلقه بهذه الشبكة يوما بعد يوم، والذي يؤكد: “أراقب عن كثب كيف تتغير الأمور على نحو إيجابي، مثال على ذلك، تغير نسب ضغط الدم عندما يكون أسلوب حياتي صحيا، وأحصل أيضا على ردود فعل إيجابية من محيطي، وهو ما يحفزني على المواصلة. وبالإضافة إلى ذلك، تعلم الكثير عن نفسك مما يساعد على تغيير نمط الحياة بشكل يراعي صحة الجسم ورشاقته”. وكلها ميزات تعطي للمشاركين شعورا بالثقة والوعي الجسماني بالإضافة إلى الشعور بالتحكم في مجريات تطورهم وتحديد نمط حياتهم، وبالتالي لم يعد المشاركون بحاجة إلى زيارة الطبيب من أجل إجراء فحوصات من هذا القبيل. فجهاز قياس النوم والخطوات يبلغ 100 يورو فقط،، يمكن ربطه بهاتف ذكي، وبواسطة تطبيق خاص يمكن قراءة هذه القيم ومتابعتها عبر الإنترنت.

سوء استعمال البيانات

ولعل أهم المخاوف التي تندرج تحت شبكة QS الاجتماعية، هي سوء تأويل واستعمال البيانات، حيث يرى بعض المحللين أن عملية نشر مثل هذه البيانات الشخصية حول حالة وصحة أعضاء الموقع، أمر في غاية الخطورة، وذلك لأن شركات التأمين الصحي مثلا قد تستغل هذه البيانات من أجل تصنيف المنخرطين فيها، وهذا ما يؤكده الدكتور “كاي سوستمان” من برلين، نقلاً عن “دي دبليو” الإخبارية، والذي يرى في هذا التوجه ومثل هذه الشبكات الاجتماعية خطراً آخر أيضاً، ويقول: “هناك خطر تأويل البيانات بشكل خاطئ من طرف المشاركين مما قد يكون له انعكاس سلبي على صحة المستخدم”.

أما الدكتور “سوستمان” يرى في شبكة QS مبادرة طيبة تساعد على تعزيز الوعي الصحي، وهو ما قد يساعد على التعامل بشكل عقلاني مع المرض والشعور به في الوقت المناسب، ولكن دور الطبيب في تحليل هذه البيانات يبقى مهما وأساسيا، حيث يؤكد: “بالنسبة لنا كأطباء من المهم أن يأتي المرضى بهذه البيانات إلينا، خاصة في حال مرض مزمن، عندها نستطيع أن نتناقش معهم حول فحوى هذه البيانات”.

فكرة جديدة تقاوم الملل

موقع “كوانتيفيد سيلف” الاجتماعي أو QS، والذي يطلق على الإعضاء المشاركين فيه “Self – Tracker” أو المتتبعين لأنفسهم، هو من المواقع الاجتماعية الجديدة في المحتوى والمضمون، حيث يشهد الموقع الوليد والذي لم يتجاوز عمره الثاني، إقبالاً متزايداً ونمواً كبيرا وسريعا جداً، ولعل أعضاء المواقع الاجتماعية الأخرى قد ملوا وتعبوا، من طريقة تعاملها مع المواقع التقليدية المختلفة والكثيرة، وأصبحت اليوم ترغب في أفكار وطرق تعامل إلكتروني جديدة، تغير المفهوم التقليدي للمواقع الاجتماعية مثل “فيسبوك” و”جوجل+” وغيرها، وتأتي بمستخدميها وأعضائها بأنماط وطرق حياة جديدة أفضل، تمكنهم من الحفاظ على صحتهم ورشاقتهم، وتغير لهم في نفس الوقت أسلوب حياتهم إلى الأفضل.

– عن الاتحاد