خالد الظنحاني

“قبرص” هي جزيرة الأحلام الفاتنة، تلك الجزيرة التي تعانق البحر وتغري زوارها بطبيعتها الرائعة، وهي المعروفة بأنها ملتقى طريق حضارات العالم منذ قرون عديدة، ومكان جذب لا يُقاوم لكثير من الشخصيات التاريخية الشهيرة أمثال “الاسكندر الأكبر” و”كيلوباترا” و”ليوناردو دافنشي” و”ريتشارد قلب الأسد” وآخرين، إضافة إلى أنها وطن “أفروديت”، إلهة الحب والجمال عند الإغريق، التي نهضت من أمواج البحر المتوسط واختارت شواطئ “قبرص” الساحرة موطناً لها، فتحولت الجزيرة إلى مقصد للمعجبين بها منذ قرون غابرة.

في تلك الجزيرة، وتحديداً في بلدة “أومودوس” الوارفة التي تتوسد الجبال وتنام بين الوهاد، وتتميز بطابعها الهندسي القديم، والتي تبعد عن مدينة “ليماسول” القبرصية حوالي 42 كلم، التقيت رجلاً بريطانياً في السبعين من عمره، اسمه “ماك”، كان يجلس على كرسي بجوار دكانه الصغير، يحيّي كل من يمرّ إلى جانبه بوجه باسمٍ بشوش.. توقفت عنده برهة لأسأله عن بعض معالم البلدة، فأجابني: إن بلدة “أومودوس” بطبيعتها الخلابة ورونقها البكْر، تستأنس بزائريها من دون تكلّف أو عناء، فأنت كسائح لست بحاجة لأن تسأل عنها، استمتع بها كما تراها بعينيك وقلبك وجوارحك..

مضيفاً أنه قبل خمسة وعشرين عاماً قَدِم إلى “قبرص” مع وفد سياحي من بريطانيا، وما إن وصل إلى هذه البلدة حتى وقع حبّها في قلبه، فعزم على البقاء فيها ما دام حيّاً، فقام ببيع كل ممتلكاته في “لندن” وتحول إلى العيش في “أومودوس” بكل حب وتفاؤل وحيوية، واصفاً البلدة بالرائعة وناسها بالطيبين.

ثم سألني: من أي بلاد الله أنت؟ فأجبته إنني من دولة الإمارات، فقال بملء فمه: “واو”، أنت من مدينة الأحلام، ويقصد إمارة دبي، لديكم حكّام رائعون، خصوصاً صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، فهو صاحب رؤية حضارية وفكر استراتيجي عميق، إن بلدكم سيكون له شأن عظيم عالمياً. فشكرته على ما تفضّل به وانصرفت أتجول بين أزقة البلدة الفاتنة “أومودوس”، مستمتعاً بمعالمها وأفكر في الوقت ذاته في حديث “ماك”..

لقد وصلت سمعة الإمارات إلى أقاصي العالم ودهاليزه، إن جاز التعبير، لم أكن أتوقع أن يعرف سكّان هذه البلدة الطيبون جداً والمعزولون جداً عن الحياة العصرية التي تُوجد عادة في المدن الحديثة، عن بلادي شيئاً، إلا أنها الإمارات بلد الحضارة والمجد والرؤية.

فمن ذا الذي لا يعرفها وهي التي لا تكلّ ولا تملّ عن مسابقة الزمن، نحو تحقيق المنجزات تلو المنجزات، وهي لا تنظر إلى اليوم فقط وإنما تستشرف المستقبل، وتخطط للاستحقاقات المتميزة القادمة، والتي ستنهض بالإمارات والمنطقة كلل، بل والعالم أجمع..

ذلك أننا في الإمارات نصنع حضارة ونرسم معالم التاريخ الحديث، وهو الأمر الذي يدحض الرأي الذي عبّر عنه أحد المؤرخين الفرنسيين يوماً حول سبب تخلف العرب عن ركب الحضارة وعن مواكبة التقدم المعرفي والتكنولوجي بقوله: “في القرن الثالث عشر فَقَد العرب المبادرة التاريخية”، ويقصد بالمبادرة التاريخية أن العرب كانوا في السابق يصنعون التاريخ، وبعد القرن الثالث عشر أصبحوا جزءاً من التاريخ.

وهناك بطبيعة الحال فرق بين من يصنع التاريخ وبين من يكون جزءاً مكملاً للتاريخ، إلا أننا اليوم في دولة الإمارات العربية المتحدة صنّاع حضارة، وسيشهد لنا التاريخ بكل هذه المنجزات العظمية التي سطّرها أبناء الإمارات برؤيةٍ ودعمٍ من القيادة الرشيدة للدولة، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله”.

نعم، إن شباب الإمارات لهم تطلعات مستقبلية كبيرة، وهم عازمون على المضي قدماً في التغلب على كل التحديات التي تواجههم، في سبيل رفعة الوطن خصوصاً والأمتين العربية والإسلامية عموماً، ذلك أننا عندما ننهض بدولة الإمارات وهي جزء لا يتجزأ من العالمين العربي والإسلامي، فكأننا ننهض بهم جميعاً.

فمن جزيرة الأحلام والأساطير والفلاسفة القديمة، إلى دولة الخير والعز والأحلام الحديثة؛ كلنا فخر بنهضة الإمارات، وكلنا أمل بأن تحذو جميع الدول العربية والإسلامية حذوها نحو آفاق الرفعة والتقدم والرقي.

– البيان