علي أبو الريش

الألعاب النارية، أضواء مخادعة وأبواق مخاتلة، يقع ضحيتها صغار يعبثون بالخطر ولا يعلمون ماذا تخبئه لهم هذه المفرقعات التي قد لا يتوقف خطرها عند بتر الأصابع، بل يتعدّاها إلى ما هو أشد فتكاً وخسارة .. طفل العين الذي فقد إصبعيه جراء لعبه بهذه الأداة الخطرة، هو نتيجة إهمال من تركه يلهو بما لا يقبل اللهو، وهو ضحية تاجر فقد قلبه، وصيد ضميره ووضعه في جليد اللهاث المادي، فلم يراع، براءة الطفولة، ولم يحترم قوانين تحرم بيع مثل هذه الألعاب، وفي نهاية الأمر، سوف يعاني هذا الصغير، ذو العشر سنوات، من عاهة قد تسبب له تشققات نفسية، وحالات ذهنية، لن يفهمها هذا البائع، بل ولن يستوعبها لأنها أصابت شخصاً لا ينتمي إليه، ولا علاقة له به، إلا حين دخل محله، وابتاع منه هذه الجمرات، وبعد ذلك أغلق أبواب محله وذهب إلى بيته، ليعد النقود التي ربحها من هذا وذاك، ونام مستريحاً خالي البال، لا ينغصه ألم طفل ولا يحرك وجدانه ما نزف من يد الصغير من دماء طاهرة .. في كل سنة وفي كل أعيادنا، نفجع بمثل هذه الأحداث الدامية، وفي هذه المناسبات التي من المفترض أن تكون سعيدة، ومناسبات تشرق فيها الابتسامات على وجوه الصغار والكبار، تفاجأت بمأساة تحرق القلوب وتكوي الأرواح، فقط لأن تاجراً ما تجاوز الحدود، وروج لسلعة لا يجوز له أن يروجها، لأطفال صغار .. هذه التجاوزات يجب أن تلاقي عقاباً شديداً ويجب أن تواجه بأساليب رادعة، تحد من بطش الهلعين، وتوقف غطرسة الجذعين، وتنظف البلد من الضمائر الميتة.
في كل سنة وأمام كل خطأ مفزع نقول إن المناسبات القادمة ستكون أهدى وأكثر سلامة على الأبرياء والعفويين، ولكن للأسف فإن المحتالين يتسللون ويتوغلون وينتهزون الفرص لكي يمرروا هذه النيران، ليكووا بها أصابع الصغار، كما يشدوا أفئدة الكبار، لماذا؟ لأن وسائل الردع لم تزل مهادنة وضعيفة وليس بمستوى الحدث، لذلك فإن الاستمرار في إشاعة هذه الأخطار، والتوسع في توزيعها على الصغار، بأساليب سرية أو جهرية، أمر لم يعد مستحيلاً ولا صعباً، وما يفعله المروجون هو فعل من رجس ونجس ويحتاج إلى صحوة من ذوي الإرادة، وأولياء الأمور أولاً .. ثم وضع القوانين التي تقطع دابر هذه المشكلة العصيبة، وحتى لا نلوم التاجر فقط، فعلينا أن نضع الأمور في موازينها الصحيحة، ونقول للأب والأم أنتما المبتدأ والخبر وأنتما الطريق الأول للخطر الذي يصيب أحبابنا الصغار فإذا تسليتم بعيداً عنهم، وتركتموهم بعيداً عنكم، فإن أفواه الطامعين بالمال مفتوحة حتى آخرها، ولا تنتظروا منهم، وازعاً ولا رادعاً، أما البلديات فهذه من الواجب عليها أن تقوم بدورها الإنساني والوطني والديني، لكبح جماح الطوفان كي لا يفزع الصغار ومن لا يفقهون السباحة، في المياه العكرة .. أقول يا رب احفظ أطفالنا من الخطر وألهم ذويهم، اليقظة ومزيداً من الحب، واعط القوانين أكثر صلابة وجسارة، وأبعد عن صغارنا كل طامع وجشع ومكار وعيار، وجبار، وصاحب ضمير خرب، ونفس شريرة، وقلب أشبه بالأخشاب المسندة .. واللهم اشف طفل العين المكلوم، واجعله عبرة ودرساً لمن يريد أن يعتبر ويستفيد من الدرس.