حسن مدن

بالنسبة لخصوم هوغو شافيز، العرب منهم بشكلٍ خاص، الذين أكثروا من وصفه بالديكتاتور، وقالوا إنه بنى لنفسه صيتاً في الخارج منطلقاً من عدائه للغرب، فيما هو لا يتمتع بالشعبية داخل بلاده وبين أبناء شعبه، فإن رحيله وضع هؤلاء أمام تحدٍ أخلاقي كبير، لأن فقراء فنزويلا الذين حملوه إلى الرئاسة بأصواتهم انتابتهم حالة من الذهول والحزن الحقيقي على رحيله، فنحن بصدد حالة من الشعور باليتم تعم أولئك المعدمين والبسطاء من الناس الذين منحهم الأمل، وأحسوا بالكرامة بفضل إجراءاته لمحاربة الفقر والنهوض بأوضاعهم، وهو الذي نجح في أن يعيد إلى الحاضر أحلام وأفكار سيمون بوليفار، الرجل الذي وهبته فنزويلا للقارة الأمريكية اللاتينية، ليقود مقاومتها للاحتلال الإسباني، ويحررها منه .

لقد رأى وهو لما يزل شاباً في نهاية الثلاثينات من عمره أن بالإمكان اختصار طريق النضال الطويل بالوثوب إلى السلطة عبر انقلاب عسكري على الديكتاتورية . وحين أخفق في مسعاه خرج لهنيهات على شاشة التلفزيون ليقول للناس: “لقد فشلنا هذه المرة” . بعدها ذهب للسجن عامين .

قال فشلنا هذه المرة، ولم يقل فشلنا . كان يحمل وعداً للناس، وكأنه تعلم الدرس، فزمن الانقلابات كان قد ولى حينها، وبعد خروجه من السجن أسس حزباً خاض به الانتخابات فأتى محمولاً إلى الرئاسة بالإرادة الشعبية الساحقة .

لم يكن شافيز ملاكاً ولا معصوماً من الخطأ، له ما للبشر من أخطاء ونقاط ضعف، ولأنه آت من بيئة شعبية معدمة في بلد تابع مثل فنزويلا، فإنه حمل سمات القادة الشعبويين الذين تفرزهم مثل هذه البلدان، الإيجابي منها والسلبي، حيث يطغى ما لهم من كاريزما وتأثير في صفوف الناس على العوامل الأخرى اللازمة، لا لبناء الدولة فحسب، وإنما لحماية المكتسبات التي يحققونها لهؤلاء الناس .

وحين يلتبس الطموح الشخصي بنبل الأهداف فإن الزعيم لا يعد يرى سوى شخصه ضمانة للثورة، فيما الضمانة الحقيقية هي الإرادة الحرة للشعب، وهنا مكمن سقطته الكبرى حين طوع الدستور ليضمن بقاءه رئيساً مدى الحياة، لكن الحياة، مهما طالت قصيرة، فها هو شافيز يرحل، مخلفاً لدى جماهير شعبه، الذي أحبه وآمن به، حسرة حقيقية، ومثيلتها لدى شعوب مقهورة، بينها شعوبنا العربية التي رأت فيه عنواناً للكرامة، ورجلاً للمواقف الصعبة في الأوقات التي عز فيها الرجال .

– الخليلج