عائشة سلطان

توقفت كثيراً عند تلك الحكاية التي وصلتني عبر بريدي الإلكتروني، لقد لفتني العنوان بشكل رئيسي، أما الحكاية فقد أثرت فيّ كثيرا، وكأننا جميعا بحاجة ماسة إلى أن نعيش التجربة نفسها، إنها تجربة شديدة العمق لو أننا خضناها فإن قناعات كثيرة ستتخلخل في داخلنا لصالح الإنسان الجميل الساكن فينا، نحتاج بشدة لأن نفعل ما طلبه مدير الشركة من ذلك الشاب الذي تقدم له طالبا وظيفة مرموقة في شركته، ولقد اجتاز اختبارات التوظيف بنجاح حتى كان ذلك الطلب الغريب الذي طلبه المدير من الشاب.
فبعد أن استمع إلى قصة نشأته وكفاح والدته المضني في تربيته، التفت المدير إلى الشاب وقال له:”لي عندك طلب صغير.. وهو أن تغسل يدي والدتك حالما تعود إلى المنزل، اذهب إليها وقبل يديها واغسلهما، ثم عد للقائي غدا صباحا”.
وفعل ما طلبه المدير عند عودته للمنزل فبدأ الشاب بغسل يدي والدته، بينما أخذت دموعه تتساقط لمنظرهما ، كانت تلك المرة الأولى التي يلاحظ فيها كم كانت يدا والدته مليئتين بالخدوش والتجاعيد، وكيف كانت تنتفض حين يلامسهما الماء! كانت هذه المرة الأولى التي يدرك فيها الشاب أن هاتين اليدين هما اللتان كانتا تغسلان الثياب كل يوم ليتمكن هو من دفع رسوم دراسته، بعد انتهائه من غسل يديها، أكمل غسل بقية الثياب نيابة عن والدته وقضى ليلته تلك في حديث طويل معها، لقد كان يمارس هذا السلوك للمرة الأولى، كأنه يكتشف أمه وما فعلته له للمرة الأولى في حياته. حين عاد إلى مديره صباحا سأله عم فعل فأجابه بأنه تعلم ليلة البارحة ثلاثة دروس: أدركت معنى العرفان بالجميل، وأدركت مشقة القيام ببعض الأعمال كما أدركت أهمية وقيمة العائلة. وعليه فقد منحه الوظيفة لأن هذه المدارك هي بالضبط ما كان يبحث عنها المدير في الشاب الذي سيمنحه هذه الوظيفة: أن يكون شخصا يقدر مساعدة الآخرين.
الذين يشتكون من أنانية أبنائهم اليوم يتحملون جزءا كبيرا من هذه النتيجة، فالطفل الذي تتم حمايته وتدليله وتعويده على الحصول على كل ما يريد، ينشأ على (عقلية الاستحقاق) ويضع نفسه ورغباته قبل كل شيء، فينشأ جاهلا بجهد أبويه، وحين ينخرط في العمل فإنه يتوقع من الجميع أن يستمع إليه، وحين يتولى الإدارة، فإنه لن يشعر بمعاناة موظفيه وسيعتاد على لوم الآخرين لأي فشل يواجهه.
هذا النوع من الناس والذي قد يكون متفوقا ومجتهدا ولا ينقصه الذكاء إلا أنه متذمر ومليء بالكراهية ويقاتل من أجل المزيد من النجاح والاستحواذ، حتى وإن كان على حساب الآخرين، إذا كان هذا النوع من الأولاد هو من نربيهم اليوم فماذا نقصد؟ وماذا نتوقع منهم غدا؟
من الممكن أن تجعل ابنك يعيش في بيت كبير يلبس ثيابا فاخرة، يشاهد البرامج التلفزيونية من خلال شاشة عرض كبيره، ولكن عندما تقوم بقص الزرع، رجاء دعه يجرب ذلك أيضا. عندما ينتهي من الأكل، دعه يغسل طبقه مع إخوته، ليس لأنك لا تستطيع دفع تكاليف خادمة، ولكن لأنك تريد أن تحب أولادك بطريقة صحيحة.
لأنك تريدهم أن يدركوا أنهم – بالرغم من ثروة آبائهم – سيأتي عليهم اليوم الذي تشيب فيه شعورهم تماما كما حدث لأم ذلك الشاب، والأهم من ذلك أن يتعلم أبناؤنا العرفان بالجميل، ويجربوا صعوبة العمل، ويدركوا أهمية العمل مع الآخرين حتى يستمتع الجميع بالإنجاز.

– عن الاتحاد