علي أبو الريش

على صفحات الإنترنت المتعددة والمتوقدة والمتصهرة والمتمددة تفور المواقع وتثور وتخور وتحور وتجور، وفي داخل الغرف المغلقة عوالم تتحرك مثل الكائنات الفضائية السحرية التي يهيم بها الولدان والشبان والصبيان وفي أذهانهم تلعب الريح العاصفة وتنهب وتجلب وتحطب حتى أن الخارج من هذه الغرف يبدو كأنه خارج من مركبة فضائية قضت أشهراً خارج الفضاء يحتاج إلى مدة زمنية ليحفظ توازنه ويستعيد قدرته على التركيز والإنصات إلى محدثيه.. الإنترنت عالم خصب ورطب بالمعلومات والموضوعات والأفكار ولكن ما يتم انتقاؤه هو غير هذه المعطيات الإيجابية وإنما ما يخوض فيه الأبناء هو مآرب أخرى يتوكؤون ويذهبون بها إلى مساحات واسعة من الانجراف والانحراف، ما يجعل من الأهمية بمكان أن يقترب الآباء والأمهات من هؤلاء الصغار ويحاولون التعرف على تفكيرهم ومشاركتهم همومهم ومشاعرهم وتطلعاتهم ورغباتهم وكل ما يحبونه ويندفعون نحوه.. الآباء والأمهات الغائبون عن الوعي، النائمون في عسل التطلعات البعيدة عن محيط الأبناء يتركون مياه السيول تغرق الحقول وتبيد الأشجار والأحجار وتهلك الحياة في نفوس هؤلاء الصغار ومثل هذه العلاقة الجافة لا تنتج غير أحجار شطرنج تحركهم أيد خبيثة وتدور بهم وتستدير حول نواص بعيدة عن الواقع بعيدة عن مستقبلهم الذي ينتظرهم.
الآباء والأمهات الذين يتركون صباة المراكب من دون حراس يضحون بها ويدعونها إما أن تغرق وتتلاشى أو ترسو على أحجار ضخمة فتتحطم وتتهشم وتنتهي إلى شيء، ثم بعد أن يبدأ الصياح والنواح على ما فات بعد فوات الأوان وبعد أن تنكسر الأواني في مطبخ تديره أيد غريبة ورهيبة.
الآباء والأمهات الذين يعتقدون أن الإنترنت ومواقعه المرعبة مجرد لعبة فنية أو تكنولوجية يتسلى بها الصغار لقضاء الوقت ولكي يعفى الأهل من توفير الزمن المناسب للرعاية والاهتمام، أولياء الأمور الذين يريدون التحرر من تبعات التربية يتركون الجياد تهيم في البراري الموحشة من دون لجام أو وئام، وبالتالي فإنه عندما يفوت الفوت لا ينفع الصوت، لا ينفع اللوم أو التوبيخ لمن لم يجدوا التوجيه السليم والرعاية الكافية والعناية الوافية التي تحدد مستويات التعامل مع هذا العالم السحري المهيب.. فاليوم تشهد ظواهر غريبة وعجيبة ومريبة تطفح على سطح المجتمع، ظواهر ترتعد لها الفرائص عندما تبدو مثل أشواك ناتئة تضرب عمق القيم وتقصف خيام العادات بنيران التهور والتضور حتى يكاد المرء يعتقد أنه فجأة قذف به في محيط اجتماعي لا يمت بصلة إلى مجتمعنا.. بطبيعة الحال إن مثل هذا الكلام لن يعجب الكثيرين ممن يعتقدون أن التطور هو تهور وأن التقدم هو تحزم بألوان وأصناف من العادات التي تجر المجتمع إلى قرون من التخلف والانحطاط والسخط الأخلاقي.. البعض سوف يمتعض وينقبض لأن مثل هذا الكلام يحد من اندفاعه إلى مواقع تشط وتحط من الفكر ولا تفيد ولا تقدم ما يرتفع بمستوى العقل.
– الاتحاد