تواصلت أمس محنة الرهائن في المركز التجاري في العاصمة الكينية نيروبي لليوم الثاني على التوالي، فيما أعلن الصليب الأحمر الكيني أن عدد ضحايا الهجوم الذي نفذه إرهابيون على المركز ارتفع إلى 68 قتيلاً و300 جريح بعد إخراج تسع جثث أخرى من المبنى، في حين تمكن أكثر من ألف شخص من مغادرة المركز، في وقت استؤنفت المعارك بين المسلحين والجيش الكيني مساء أمس، وقامت مروحية مقاتلة للجيش بعمليات تحليق أكثر قربا من المركز التجاري حيث لا يزال 10 إلى 15 إرهابيا كما تقول الحكومة الكينية متحصنين مع رهائن بعد أكثر من 30 ساعة من بدء الهجوم.

وسمع مراسل لوكالة فرانس برس دوي انفجار، فيما أكد عنصر في القوات الكينية الخاصة أن معارك جارية. وقال عسكري كيني ان محاولة سابقة لاستعادة السيطرة على المركز قد فشلت في وقت سابق من النهار. وتحدث مصدر أمني آخر طالبا عدم الكشف عن هويته عن وجود عناصر إسرائيليين إلى جانب القوات الكينية للقضاء على المجموعة الإرهابية.
وقال مصدر أمني إسرائيلي إن مستشارين إسرائيليين يساعدون كينيا في وضع استراتيجية لإنهاء المواجهة في المركز التجاري. وأضاف المصدر الذي لم يذكر المزيد من التفاصيل وطلب عدم نشر اسمه “هناك مستشارون إسرائيليون يساعدون في استراتيجية التفاوض ولكن ليس هناك إسرائيليون ضالعون في أي عملية اقتحام وشيكة”.
وذكر مصدر إسرائيلي في نيروبي أن جميع الإسرائيليين الذي كانوا داخل المركز وقت الهجوم خرجوا سالمين وجرى إنقاذ آخر ثلاثة الليلة قبل الماضية. وهناك أنباء متضاربة من مصادر أمنية أخرى في نيروبي عن دور الإسرائيليين. وقال مصدر أمني كيني طلب عدم نشر اسمه لرويترز إن الجيش الإسرائيلي مشارك في العملية في حين قال مسؤول أمني في شركة خاصة إن الإسرائيليين يساعدون في تمشيط المركز. غير ان وزير الداخلية الكيني أصر على عدم مشاركة أي عناصر أجنبية في العملية الأمنية رغم عروض المساعدة من الخارج.

وذكرت قناة “إن.تي.في” التليفزيونية الكينية أن قوات الأمن تمكنت من استعادة السيطرة على الطابقين الأول والثاني من مركز التسوق. واحتفظ المتشددون بالسيطرة على الطوابق العليا في مركز التسوق . ولا يزال بعض الرهائن محاصرين داخل متاجر مركز التسوق مع استمرار تبادل إطلاق النار بين قوات الأمن والمتشددين.
وقد بدأ الهجوم أمس الأول بالقنابل اليدوية والأسلحة الأوتوماتيكية فيما كان المركز التجاري مكتظا بالكينيين والأجانب الذين توافدوا للتسوق. وقتلت فرنسيتان وثلاثة بريطانيين وجنوب أفريقي واحد وهولندية وكورية جنوبية وهنديان، وكذلك الشاعر الكبير ورجل الدولة الغيني كوفي اونور. وقتل أيضا خوان جيزوس اورتيز الطبيب البيروفي وهو مساعد سابق لمدير صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في كينيا. وأعلنت وزيرة الفرنسيين في الخارج هيلين كونواي-موري ان الفرنسيتين وهما والدة وابنتها قتلتا “في مرآب المركز التجاري”.
وأعلن الرئيس الكيني أن ابن أخيه وخطيبته هما بين القتلى. وأضاف أن المسؤولين عن الهجوم “سيدفعون ثمن أعمالهم الغاشمة والوحشية”.
وأضاف أن قوات الأمن أمامها فرصة جيدة “كما نأمل” للسيطرة على المهاجمين وإن كينيا تود التأكد من إعلان متشددين صوماليين مسؤوليتهم عن الهجوم. وقال كينياتا إن الحكومة لديها تقارير عن أن المهاجمين رجال ونساء وهو ما يتسق مع إفادات الشهود الذين قالوا انهم رأوا نساء مشاركات في الهجوم.
وقال في مؤتمر صحفي “المجرمون موجودون الآن في مكان واحد داخل المبنى. ومع وجود (أفراد الشرطة) المحترفين في الموقع أطمئن الكينيين بأن أمامنا فرصة جيدة للسيطرة على الإرهابيين بنجاح وهو ما نأمله”.
وقالت حركة الشباب الصومالية إنها مسؤولة عن الهجوم الذي بدأ أمس السبت لكن كينياتا قال إن تحقيقات تجري للتأكد بشكل حاسم ممن يقف وراء الهجوم.
وردا على سؤال ان كان يدرس حاليا سحب قواته من الصومال قال كينياتا “ذهبنا كدولة إلى الصومال للمساعدة في استقرار البلاد لكن الأهم .. هو خوض الحرب ضد الإرهاب”. وأضاف “يجب ألا نلين في حربنا ضد الإرهاب .. الهجوم زادنا التزاما بالقتال في هذه الحرب والانتصار”.
وكرر كينياتا مناشدات من المعارضة وساسة كبار آخرين تحدثوا في القصر الرئاسي وحثوا الدول الأجنبية على عدم إصدار تحذيرات من السفر إلى كينيا لتجنب الإضرار بصناعة السياحة الحيوية في البلاد. ولم يرد على سؤال عما إذا كان المهاجمون ربطوا متفجرات حول أجساد الرهائن الذين ما زالوا داخل المركز التجاري وقال انه لن يعلق على العمليات.
وقال طبيب في مستشفى “ام.بي. شاه” طالبا عدم الكشف عن هويته إن “مستشفانا مكتظ، ولقد اضطررنا إلى إرسال المرضى إلى مستشفيات أخرى”.
وفيما كانت المواجهات مستمرة، واصل الزبائن الخائفون والموظفون المصدومون الذين كانوا عالقين في المركز، الخروج منه ضمن مجموعات صغيرة، مستفيدين من التقدم البطيء لقوات الأمن. وأجلت أجهزة الإغاثة المصابين والجثث.
وقد حاول عناصر الشرطة والجنود الكينيون، يؤازرهم عناصر باللباس المدني من الأجهزة الأمنية للسفارات الغربية، محاصرة المهاجمين في أروقة المتاجر المتنوعة حيث من السهل الاختباء والتحصن.

وقالت الموظفة في المركز التجاري زيبورا ونجيرو التي نجت من الهجوم بالاختباء تحت طاولة أن المهاجمين “كانوا يطلقون النار في كل الاتجاهات”. وأضافت “ما حصل كان شبيها بالأفلام. كنا نرى الأشخاص تحت رشقات الرصاص”. وقال الموظف الآخر تيتوس اليدي “كنت أخدم الزبائن عندما وصل هؤلاء الأشخاص”. وأضاف “لم يكن هدفهم الحصول على المال، كانوا يطلقون النار على الناس من دون أن يطلبوا شيئا، قالوا قتلتم شعبنا في الصومال، وجاء دوركم لتدفعوا الثمن”. ويضم المركز التجاري الذي افتتح في 2007 مطاعم ومقاهي ومصارف وسوبر ماركت كبيرا ومجمعا سينمائيا يجتذب آلاف الأشخاص يوميا.
وطلب قائد وحدة قوات الشرطة الخاصة من مدوني الإنترنت ومستخدمي وسائط التواصل الاجتماعي الإلكترونية إيصال رسالة إلى الرهائن بأن “ عملية الإنقاذ ستجري قريبا “ لفك حصار المركز . وأذاع المفتش العام للشرطة الكينية ديفيد كيمايو هذه الرسالة النصية بعد عدة ساعات من وصول تعزيزات إضافيه من قوات الأمن والقناصة إلى مركز التسوق الذي يتحصن بداخله مسلحون متطرفون يحتجزون عددا من الرهائن .
وعرضت منظمة الشرطة الجنائية الدولية (انتربول) على الشرطة الكينية مساعدتها في كشف ملابسات الهجوم الإرهابي . وقالت المنظمة إنها ستعطي الأولوية لأي استفسار يرد من السلطات الكينية، مشيرة إلى أنها يمكن أن توفر للسلطات الكينية أطباء شرعيين وخبراء في مكافحة الإرهاب ومحللين. كما أعلنت المنظمة للسلطات الكينية استعدادها لاستقبال جميع عينات الحمض النووي (دي إن ايه) التي سترسلها لمضاهاتها في بنك البيانات الخاص بالمنظمة وذلك لتحديد هوية الجناة.
من جانبه، عرض الرئيس الأميركي باراك اوباما على نظيره الكيني مساعدة الولايات المتحدة في التعامل مع حادث الهجوم . وذكر البيت الأبيض الأميركي أمس أن اوباما أبلغ كينياتا خلال اتصال هاتفي استعداد واشنطن في المساعدة من اجل تقديم الجناة إلى العدالة.
وندد مجلس الأمن الدولي “بأشد العبارات الممكنة” باعتداء نيروبي. وأعربت الدول الـ15 الأعضاء في المجلس عن “تضامنها مع الشعب والحكومة الكينيين في هذه الساعات الصعبة”. وكررت الدول إدانتها للإرهاب بكل أشكاله و”عزمها على محاربته”.
بدوره، أدان بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة الهجوم الإرهابي بأشد العبارات. وأعرب عن صدمته وقلقه البالغ إزاء هذا الهجوم . ووصف بان الهجوم على مدنيين آمنين بأنه “عمل مستنكر تماما على المستوى الأخلاقي”. وأجرى بان اتصالا هاتفيا بالرئيس الكيني اوهورو كينياتا مقدما إليه والى عائلات الضحايا “تعازيه الصادقة”. وأضاف بيان المنظمة الدولية أن “الأمم المتحدة متضامنة مع الشعب الكيني”.
وندد البيت الأبيض بالهجوم “الدنيء”، واعدا بمساعدة كينيا في مكافحتها للإرهاب. وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي كايتلين هايدن في بيان أن “منفذي هذا العمل الدنيء ينبغي أن يحالوا أمام القضاء وقد قدمنا دعمنا الكامل إلى حكومة كينيا لتحقيق هذا الأمر”.
ورغم عدم وجود أي أميركي بين قتلى الهجوم، لفت وزير الخارجية جون كيري إلى مقتل زوجة دبلوماسي تعمل لحساب الوكالة الأميركية للتنمية الدولية. في المقابل، تحدث كيري عن إصابة أميركيين في الهجوم من دون أن يحدد عددهم.
وأدان وزير الخارجية الألماني جيدو فيسترفيله الهجوم الإرهابي”بأشد عبارات الإدانة”. وقال “نتمنى أن يتم التمكن سريعا من تقديم الجناة والمحرضين عن هذا الهجوم المروع إلى المحاسبة”.
وأعلن وزير الخارجية البريطاني وليام هيج أن بريطانيين هم “من دون شك” بين ضحايا الهجوم الدامي، لافتا إلى أن دبلوماسيين يحاولون الحصول على معلومات عن جميع الأشخاص المصابين.
وصرح هيج “هناك من دون شك مواطنون بريطانيون وجدوا أنفسهم عالقين في هذا الهجوم وعلينا ان نكون مستعدين لهذا الأمر”. وأكد أن بريطانيا تدين “من دون تحفظ” هذا الهجوم “الوحشي” لكنه لاحظ ان تبني الاعتداء من جانب المتمردين الشباب الصوماليين لم يتأكد حتى الآن. وقال أيضا “الوضع يتطور بسرعة كبيرة، الأحداث مستمرة، لا نملك تفاصيل دقيقة بما فيه الكفاية لنقول اي شيء آخر حتى الان”. واوضح ان السلطات البريطانية “تعمل في شكل مكثف حول هذه القضية عبر محاولة التعرف او إحصاء البريطانيين الذين قد يكونون علقوا” في هذا الاعتداء.

وقتل كنديان احدهما دبلوماسي في الهجوم ، بحسب ما اعلن رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر الذي قال ان “كندا تدين باكبر قدر من الحزم هذا العمل الجبان والدنيء”. وأوضح هاربر،”يمكننا ان نؤكد ان كنديين اثنين احدهما دبلوماسية كندية” قتلا. وأضاف ان الدبلوماسية آن ماري دولوج الملحقة بوزارة المواطنية والهجرة في كندا “كانت تخدم كندا في المفوضية العليا لكندا في كينيا بصفتها موظفة ارتباط مع وكالة الخدمات الحدودية في كندا”.
وأعلنت الرئاسة الفرنسية في بيان ان فرنسيتين هما بين قتلى الهجوم. الدنيء . وأضاف البيان ان الرئيس فرنسوا اولاند “يدين بأكبر قدر من الشدة هذا الاعتداء الجبان ويشاطر أفراد عائلتي مواطنتينا آلامهم ويعبر عن تضامنه الكامل مع السلطات الكينية”.
وفي واشنطن شدد برلماني أميركي نافذ أمس على ضرورة مراقبة الجالية الصومالية في الولايات المتحدة على أثر الهجوم على المركز التجاري في نيروبي . وحذر بيتر كينج رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي من وجود بين 15 و20 أميركيا صوماليا هم أعضاء فاعلون في حركة الشباب الصومالية وقد يغرر بهم لتنفيذ أعمال إرهابية على الأراضي الأميركية، وصرح كينج لشبكة ايه بي سي التلفزيونية «انها منظمة دموية للغاية ومدربة جدا. وهي احد الفروع الوحيدة لتنظيم القاعدة، الذي يجند عناصر بقوة في الولايات المتحدة». وأضاف ان ما بين 40 إلى 50 شخصا يحملون جنسيتين غادروا الولايات المتحدة لتلقي التدريب في الصومال. وقال ان «عددا منهم قتل لكن آخرين لا يزالون على قيد الحياة». واعرب النائب عن قلقه قائلا ان «الخطر يكمن في انه إذا عاد بعضهم الى الولايات المتحدة، فقد يستخدمون قدراتهم هنا». وأبدى قناعته بان قوات الأمن ومنها مكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي آي)، تراقب الجالية الصومالية الأميركية حاليا لمنع وقوع أي هجوم على الأراضي الأميركية.

الإتحاد