حسين درويش

لا أكف عن الكتابة عن مصر، لأنني لا أتوقف عن متابعة ما يجري فيها ساعة بساعة، كما لا يكف حدثها عن التطور كما هو حال كرة الثلج، فإن صلُحَ حال مصر صلُحَتْ أحوال المنطقة، وإلا فإنها إلى خراب ودمار، ولذلك تسارع دول كثيرة إلى دعم استقرار أم الدنيا.

لكل حكايته المصرية، صداقاته، كلماته، نكتته، لأن روح مصر في وجدان كل منا، وفي كل زيارة يعود المرء منها محملاً بما يفيض من الحديث والمعنى متجاوزاً الحدود الجغرافية، فالمصريون يستقبلون زوارهم بعبارة شهيرة “نورت مصر”، ويزيدون عليها من ألفتهم “يا ألف نهار أبيض”.

في واحدة من زياراتي المبكرة إلى مصر، كنت أنتظر صديقا أسفل مبنى مؤسسة الأهرام في شارع الجلاء، كان المطر خفيفاً وقد مالت الشمس قليلاً.. ثمة ماسح أحذية عجوز يلح علي عارضاً خدماته، وكنت محرجاً، قلت إني أنتظر أحمد بيه، سارع إلى بوابة المبنى وطلب من الحارس قائلاً إن أستاذاً ينتظر أحمد بيه، غير أن صديقي أحمد طلب مني أن أسبقه إلى موعدنا وسيلحق بي.

وهنا تطوع ماسح الأحذية مجدداً للبحث عن تكسي فساعدني على عبور الشارع (بمعجزة)، قائلاً التاكسي من هذه الجهة أرخص “لأن الجهة التانية ح يلف فيك كتير”، وبمعجزة أخرى أوقف تاكسي وفتح الباب ووضعني قرب السائق قائلاً “وصل البيه ع المعادي”، وقبل أن يغلق الباب عرضت عليه بعض جنيهات.. رفض بشدة قائلاً: السوريين أجدع ناس..

هذه القصة تعود لعشرين سنة خلت، ولكنها بصداها الأخلاقي وروحها الطيبة عالقة في ذاكرتي حتى اليوم، قصة مصر في كل فصولها، مصر التي نحبها والتي حكايتها في بيوتنا، وكما يقول المصريون مرحبين “البيت بيتك”.

– البيان