معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة، وهي منبئة عن صدق رسالته، ومنزلة منزلة قول الحق: «صدق عبدي فيما يبلغ عني»، وتتجدد بعينها أو بدلالاتها ما بقيت رسالته، وقد كان كل نبي يُؤيد بمعجزة أو أكثر، بحسب حال أمته التي بعث فيها، وغالبا ما كانت معجزاتهم حاضرة في عالم الشهادة، أما هذا النبي الخاتم فإن معجزاته باقية ما بقيت أمته وشريعته، ليعلم الناس صدق الرسول والمُرسِل، وقد حدثنا القرآن الكريم عن هذه المعجزة بقوله: {سُبْحَانَ الذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنهُ هُوَ السمِيعُ الْبَصِيرُ}، وقوله: {وَهُوَ بِالأفُقِ الأعْلَى}، وحدثتنا عنها صحاح الأحاديث والأخبار، تتكرر دلالاتها في كل عصر ومِصر، فإن ربط المسجد الحرام بالمسجد الأقصى في آية الإسراء ورحلة المصطفى تنطق بالحق كلما قرأها الإنسان مسلما أو غيره، على أن بين هذين المسجدين رابطة الإيمان التي لا تقبل الانفكاك، وأن على أهل الإيمان وأتباع هذا النبي الحفاظ على مسرى رسولهم كما حافظوا على مسجد بعثته ومسجد دعوته، ولولا هذا المعنى لما كان الإسراء إليه، بل لجُمع له الأنبياء في المسجد الحرام، ولكان العروج منه إلى سِدرة المنتهى أولى، فهو أفضل المساجد، وموئل الحنِيفية التي بعث بها إبراهيم وذُريتُهِ من بعده؛ دَاوُودُ وَسُلَيْمَانُ وَأَيوبُ وَيُوسُفُ وَمُوسَى وَهَارُونُ وَزَكَرِيا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسُ وَإِسْمَاعِيلُ وَالْيَسَعُ وَيُونُسُ وَلُوطٌ، وهو يصرخ في كل وقت ينادى فيه بالصلاة: «أن هلُموا لفك أسري، وحل وثاقي، وتطهيري من رجس يهود». والصلوات الخمس المفروضة في تلك الليلة العظيمة يتكرر معناها ومبناها لكل مسلم ومسلمة، فيعرجون فيها بصفاء الروح إلى ملكوت الله تعالى، فيعيش المسلم بُرهة في هذا الملكوت، ينسى الخلائق والعلائق، وينفرد بالخالق، فيتبدد همه، ويزول غمه، ويعيش مع تلك المعجزة التي انفرد بها سيد البشر صلى الله عليه وسلم، حتى إنه ليُحيي ربه بتلك التحيات الزاكيات، وهي هنا بتجرد تام عن تعظيم أحد غير الله تعالى. هذه المعجزة العظيمة التي هي من أجل إكرام الله لنبيه، شملت كل مسلم ومسلمة، فهم يتفيأون ظلالها ويَنعمون بفنائها،ويعلمون فضل الله تعالى عليهم، وما كانوا لينالوا هذا الفضل لولا اتباعهم هذا النبي العربي الهاشمي الخاتم والشاهد والمُقفى والحاشر والعاقب، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين، الذين حشروا له ليُجِلوه، ويُسلموا له قيادة أممهم، ويقدموه على أنفسهم، والذين اصطفوا لاستقباله في طبقات السماء مهنئين ومباركين. هذه المعجزة التي يتكرر حدثُها ويتضوع مسكُها بما فيها من غيبيات كثيرة، تحمل المرء على أن يكون كامل التعزير والتوقير لرسول الهدى صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي أن تمر علينا دون استحضار لأحداثها ودلالتها؛ لنعيش مع صاحبها كما أراده المولى منا من بالغ محبته، وكمال متابعته والتخلق بأخلاقه وشيمه، وليحاسب الإنسان نفسه: هل هو كذلك ويزداد تمسكا بدينه، واعتزازا به، في زمن تخلى فيه أتباع موسى وعيسى عن صفاء التوحيد، وضياء العبودية لله، فحرفوا وغيروا وبدلوا واتبعوا أهواءهم وشهواتهم، ولم يبق لهم إلا رموز لا واقع لها، أو ادعاءات لا برهان عليها.

– الامارات اليوم