ناصر الظاهري

مكتبة على الشاطئ، خير من مقهى، هذا أول ما يتبادر للذهن حينما سمعت عن افتتاح ثاني مكتبة في العالم على شاطئ أبوظبي، بعد مكتبة موناكو الشاطئية، وبعد تلك المكتبة الغرائبية في لندن التي لم تكلف بريطانيا غير مائة ألف جنية، حينما حوّلت سفينة مكهنة على نهر التايمز إلى مكتبة تحتوي على أكثر من عشرة الآف كتاب للأطفال، وكثير من الألعاب، وسميت بـ«مركب الكتب»، وسمي الطريق إليها «طريق النور». مكتبة على شاطئ أبوظبي، هي من الخطوات النيّرة، ذات السمة الحضارية للعاصمة في مسعاها الجديد نحو المعارف والفنون ودور الثقافة، فلطالما بنت المكتبات أناساً أصبحوا مؤثرين في حركة الحضارة الإنسانية، ودفعها نحو الرقي بالإنسان، وبقيمه ومكتسباته، وطالما شكلّ الطريق للمكتبة، متعة التقصي عن الأسئلة، وجلب الدهشة، ولذة امتلاك المعرفة، ولا تكاد تخلو عاصمة أو مدينة كبيرة في العالم من مكتبتها العامة التي تعد من الكنوز الوطنية، شأنها في ذلك شأن المتاحف، والنصب التذكارية لتاريخ وشخصيات الوطن ورموزه العظماء، واليوم مثلما تفاخر باريس ببرج إيفل أو متحف اللوفر، تفاخر أيضاً بمكتبتها الوطنية، والأمر نفسه في مدن كثيرة في العالم.

والزائر للمدن الكثيرة سيجد مكتبات من الغرابة والدهشة والفرادة بحيث لا تقدر إلا أن تقف أمامها أو تدخل مبناها أو تتصور بين أروقتها، مثل مكتبة في مدينة باتو جاوه الإندونيسية، بناها الأهالي من إعادة تدوير حاويات الشحن القديمة، وتحويلها بعد دهنها، وإعادة طلائها بألوان مفرحة إلى أركان وزوايا مكتبة حديثة، تضم الكتب، والمراجع الإلكترونية، وما يهم الطفل أيضاً، وهناك مكتبة في كنساس ميسوري بأميركا، اختار الأهالي أكثر الكتب تأثيراً ومبيعاً، وجعلوها واجهة للمكتبة، بدلاً من واجهة المرآب الكبير البشعة، وأصبح المرآب مبنى لمكتبة مصمم على هيئة كتب، وغدا الأهالي يغذونها بالكتب المستغنى عنها أو المقروءة، ليستفيد منها الآخرون، وهناك مكتبات «بشرية» في النرويج وبعض البلدان، الكتب فيها أناس يعطونك المعلومة، ويجيبون عن أسئلتك المتعلقة بشيء من المعارف، وهناك مكتبة شكسبير القديمة في باريس، يمكنك أن تسكن في مبناها، والأجرة أن تقرأ كتاباً، بينما تظل المكتبات العظمى في العالم مثل مكتبة الكونغرس في واشنطن والمحتوية على 30 مليون كتاب، والمكتبة الوطنية الصينية التي تحتوي على 27 مليون كتاب، وغيرها من المكتبات، هي المرجع لكل حضارة الإنسان، ويحضرني فيلم جميل من الخيال العلمي لدينزل واشنطن اسمه «كتاب إيلي» قدر بفضل المحافظة وحراسة ذلك الكتاب أن تنهض حضارة الإنسان من جديد!

– الاتحاد