عائشة سلطان

للشباب طريقتهم في التعبير عن أفكارهم ورؤيتهم للأمور، وبرغم أعمارهم الصغيرة واخضرار قلوبهم، إلا أنهم يمتلكون تجارب ويمتلكون أدوات فحص وبحث جيدة تدعونا لعدم الاستهانة بهم أبداً، مشكلتنا ومشكلتهم أيضاً أنهم يكبرون في الجوار بعيداً عنا، ضمن دوائر خاصة ومنعزلة وغير واثقة نوعاً ما، في تجربة الكبار الذين ينظرون إليهم بمقاييس تنقصها الرؤية الصحيحة في كثير من الأحيان، مع ذلك فكلنا مررنا بحالة الاعتداد بالنفس حين كنا في مثل أعمارهم، ثم علمتنا الأيام أنه كلما كبر الإنسان قل اعتداده بفكره، بمعنى صار لديه استعداد للنقاش والحوار والأخذ والرد حول قناعاته التي كان يوماً ما لا يقبل مجرد عرضها للنقاش مع والديه.

لفت نظري أنني التقيت مجموعة من المراهقين في مناسبة اجتماعية، أعمارهم كانت تتراوح بين الـ13 والـ 16عاماً، إماراتيين لآباء مواطنين وأمهات غير إماراتيات في أغلبهم، وهذه مفارقة لابد من أخذها بعين الاعتبار حين نتحدث عن الشباب في السنوات المقبلة من عمر الإمارات، ذلك أنه يتأسس بيننا جيل من الشباب في مدارس أجنبية صرفة، يدرس بلغات مختلفة ليس من بينها العربية، بعض هؤلاء درس من الأول الابتدائي في مدارس فرنسية، أو أميركية، أو بريطانية، وإسبانية و…، بعضهم وهو في هذه السن لا يجيد الحديث بلغة وطنه وبعضهم يتحدث بعربية مكسرة، هؤلاء ليسوا عشرة مراهقين أو خمسين، أعدادهم كثيرة، ولابد من استيعابهم بشكل أو بآخر ضمن هذه البوتقة الاجتماعية الكبيرة والتي تجمعنا كلنا: الإمارات العربية المتحدة.

بعض هؤلاء يعيب على أقرانه ممن يتمسكون بزيهم الإماراتي (من البنات والشباب) هذا لا يعني أنهم متطرفون في ملابسهم، لكنهم لا يرون في العباءة والكندورة أمراً ملزماً، بل العكس ينظرون للزي الوطني على أنه من الأمور التي لابد أن تنتهي، فالزمن مختلف وهو سيكون – حسب ما يعبرون بصوت عال – أكثر اختلافاً مما نظن، وأن زياً واحداً سيسود العالم مؤسساً لمفهوم المواطن العالمي الذي عليه ألا يلتفت الى معايير ضيقة في التصنيف الإنساني كالجنسية والانتماء والهوية والقومية والجغرافيا، فكلنا ننتمي لحضارة اليوم ونتمتع بثمار هذه الحضارة بالتساوي، كما قال لي أحدهم بكل ثقة.

الأمر لاعلاقة له حتماً بثقافة أمهات هؤلاء، فكثيرات منهن قد اندمجن في مجتمع الإمارات وتماهين فيه لاعتبارات مختلفة، لكن الأمر له علاقة بالمنابع الفكرية والثقافية التي أثرت في هؤلاء الشباب: الكتب التي قرؤها، المدارس الأجنبية التي تعلموا فيها من طفولتهم الباكرة، التربية الثقافية التي تلقوها داخل الأسرة، الأصدقاء، المعلمات والمعلمون، المناهج الدراسية، الأسفار والمدارس الداخلية التي حرص عدد من الأسر الإماراتية على إدخال أبنائهم فيها في دول الغرب المختلفة كل هذا تسبب في العزلة الاجتماعية التي يعيشونها داخل المجتمع والدوران في علاقات تكرس لديهم هذه الأفكار والتوجهات وتدفعهم لرفض الأفكار الأخرى والتوجهات المغايرة.

هؤلاء جزء مهم من نسيج الإمارات، أبناؤها وبناتها الذين سيتسلمون مناصب ووظائف، وسيكون لزاماً عليهم الإيمان بهذا الوطن والولاء له وخدمته، وخدمة أهله انطلاقاً من هذا الولاء، هؤلاء مراهقو اليوم وشباب الغد الذين يعيشون بيننا لكن لوحدهم، لا يشاركون غيرهم من الشباب الكثير من الأفكار والسلوكيات، كيف ستكون علاقتهم بالوطن غداً؟ كيف ستكون علاقتهم بأبناء وطنهم، … أسئلة لنا جميعاً

– عن الاتحاد