علي أبو الريش

بعض المدارس الخاصة، ما زالت تمارس التغريب والتسريب، والتهريب، والتقطيب، والتثريب والتكذيب والتجريب للغة العربية، كونها لغة ليست أساسية في مناهج هذه المدارس، الأمر الذي يجعلها تخرج أجيالاً ناطقة بلغت شبه النقيق، فمهما حاولت هذه المدارس تكريس لغات غير عربية في مناهجها فإن الخريجين من صوامعها، يطلعون على المجتمع، لا يجيدون اللغات الأجنبية التي تعلموها، ويخسرون لغتهم الأم، وبذلك تذهب الدراهم التي أنفقت من أجل تدريس الأبناء أدراج الرياح، ومعها تذهب الآمال والأمنيات والطموحات، كالغثاء، ولا يحمل هؤلاء الأبناء في جعبتهم غير الشهادة المختومة من مدرسة أجنبية ولا فخر.
قضية تدريس اللغة العربية ليست في المدارس الأجنبية فحسب، بل وحتى في المدارس الحكومية، تحتاج إلى قرار حاسم وحازم، يقضي على الاستسهال والإهمال، ويفرض قيوداً صارمة، بحيث تلزم المدارس وأولياء الأمور، وكل من له علاقة بذلك. فاللغة العربية مربوطة بالهوية، والهوية هي الدم الذي يجري في الوريد، ومن يفكر بغير ذلك فإنه يقتل بذرة الحياة في نفوس الأجيال ويهشم جدراً ويحطم أسساً وما نشهده اليوم من استهلاك مزرٍ للغة العربية، وضياعها في خضم مناهج ضعيفة لا تفيد اللغة، بل تضعها في زوايا مهملة، والذين يدرسون اللغة العربية في مدارسنا يعانون الكثير من كراسات هذا المنهج، وما تقدمه هذه الكراسات من موضوعات تسيء إلى لغة الضاد، وتضعها في خانة لغات ميتة، لموت حضاراتها وأعتقد أننا أمة لم تزل تستولد طاقاتها من بذور تربتها الحضارية، ولا يمكن لهذه الحضارة أن ترقى وتتطور وتصل إلى العالمية، طالما بقيت اللغة العربية حبيسة الأفكار القديمة والرتيبة.
يجب أن نُعلم أبناءنا كل لغات الدنيا، لأجل التلاقح والتداخل مع ثقافات العالم، لكن لا ينبغي أبداً أن تستوطن أفكارنا الدونية، ونعيش في حالة انتقاص الذات، ونعتقد دوماً أننا أمة تتبع ولا تقود تختزل ولا تسود.. قوة تأثيرنا في العالم، من صلابة إرادتنا وإيماننا بأن لغتنا عماد حضارتنا وسندس ثقافتنا واستبرق آفاقنا المستقبلية.. فلكي نكون في قلب العالم لا في هامشه، ولكي يكون صوتنا مسموعاً، يجب أن تكون للغتنا موسيقاها، وأوتارها الرنانة التي تعيد لنا نسق التواصل مع الآخر، فالعالم لا يحترم إلا الأقوياء، وقوتنا بلغتنا وإيماننا أننا أحياء، وصانعو القرار الحضاري في العالم.
-الاتحاد