ناصر الظاهري

يحزنني أن أسمع بين وقت وآخر أن صحيفة بعد هذا العمر الطويل والحضور اليومي في مشهد الناس والحياة، تنكفئ، وتودع قراءها أو تشمع أبوابها وتسرح موظفيها، خاصة تلك الصحف التي تكون على صلة روحية بها، وربما كانت رفيقة أول رشفة من قهوتك الصباحية، وشاهدة على أحداث تاريخية، وجزءا من حياة الناس وسيرة المكان، لكن جبروت الزمن، ولغة العصر الجديد، والاتجاه نحو الطبعات الرقمية، والانتشار عبر شبكات الانترنت والدخول المجاني، والأزمات الاقتصادية المتتالية التي أدت إلى تراجع عوائد الإعلانات، لم تدع للصحف الورقية متسعاً من الوقت، ولا متنفساً، ولا أفقاً للمناورة من أجل عيش ترضى فيه بالتنازل عن صولجان عرشها، وتثبت فقط جزءا من حضورها وتأثيرها في حياة الناس وسيرورة المجتمع، وقد أورد “فيلب ميير” في كتابه “نهاية الصحيفة”: “أن عام 2043م سيشهد آخر صحيفة ورقية في أميركا، عندما يقذف بها أحد القراء جانبا بعد أن تكون قد أنهكته قراءتها”، وبالأمس ظهرت صحيفة “لا تريبيون” الفرنسية على قرائها بظهور المودع، معلنة الوفاة السريرية لتلك الصحيفة الورقية التي تبيع نحو 65 ألف نسخة يومياً، وتصدر منذ عام 1987، وتعد ثاني أكبر يومية اقتصادية في فرنسا، ومنافسة لصحيفة” ليزيكو” الاقتصادية الأولى، معنونة يوم الرحيل بكلمة ودائعية حزينة “لا تريبيون تحييكم” وبجوارها صورة صحيفة تشتعل، وكانت مجموعة “فرانس إيكونوميك ريجن” ومجموعة “هاي ميديا” للنشر الإلكتروني قد استحوذتا على الصحيفة التي أعلنت إفلاسها العام الماضي، ويعتزمان تحويلها إلى مطبوعة أسبوعية، وربما الكترونية، وصحيفة “لاتريبيون” هي ثاني صحيفة فرنسية تعلن موت نسختها المطبوعة في غضون شهرين، فقد سبقتها صحيفة “فرانس سوار” التي ظلت تصدر لمدة 67 عاما بصيغتها الورقية، واتجهت إلى الإعلام الرقمي الجديد، ورغم تحايل الصحف الكبرى في فرنسا “لوموند، ولو فيجارو” وفي بريطانيا الـ”تايمز” التي تحولت بعد 216 عاما منذ تأسيسها، والـ”إندبندنت” وفي إسبانيا صحيفة “البايس” على شكلها التقليدي وتخليها عن احجام “البلانكيت” وارتدائها ثوباً شعبياً “تابلويد”، والذي كان غير مقبول عند المحافظين والكلاسيكيين، لكنها محاولة الهدف منها ضغط المصروفات، والتودد إلى القارئ الجديد الخفيف وسريع الحركة، وركاب القطارات والمترو، إلا أنها خطوة لم يجعلها تحقق عوائدها الأولى، وتوسع توزيعها، فاضطرت أن تلجأ إلى النسخة الالكترونية المجانية، وبعضها اشترط الدفع مقابل هذه الخدمة، أما التوزيع فغير صحيفتي اليابان “يوميوري شمبون” التي توزع أكثر من 14 مليون نسخة يومياً، وصحيفة “آساهي شمبون “ التي توزع أكثر من 12 مليون نسخة، و“بلد” الألمانية أكثر من 3 ملايين نسخة، فكل صحف العالم لا تتجاوز نسخها اليومية المليونين والنصف، بما فيها الأميركية والبريطانية والصينية والهندية والكورية الكبرى

– عن الاتحاد