تحيرني المسافة الفاصلة بين مبنى جمعية دبا الفجيرة للمسرح والقاعة المواجهة له على الجانب الآخر والمعروفة باسم ” بيت المونودراما” ففي حين يعبر الناس هذه المسافة في أقل من دقيقة إلا أنني كلما عبرتها شعرت بأني أعبر في دهاليز ربع قرن من الزمان، ولذلك حكاية سأروي لكم الآن بعض تفاصيلها ، مراعيا بالطبع الإيجازوالاختصار.
بين المبنيين علاقة وثيقة بين الحلم والحقيقة ، بين لحظة الانطلاقة ومحطة نجاح محفوظة فوق الخريطة كعلامة بارزة على مشوار طويل مليىء بالتحديات والصعوبات والطموحات كنت شاهدا عليها ومتابعا لها قبل 25 عاما وتحديدا منذ عام 1988.
في ذلك العام ، ولأول مرة عرفت الشباب في مسرح دبا الفجيرة ولم يكن مبنى نشاطهم المسرحي كما نراه الآن، بل كان مبنى صغيرا متواضعا ضيقا، ولن أقول فقيرا لأن من عاشوا فيه كانوا أغنياء لا بالمال، بل بالطموحات والأحلام ما جعلني في تلك الأيام في حالة إشفاق عليهم من ضخامة أحلامهم التي تحولت إلى حقيقة أدخلتهم في حالة إشراق كنت واحدا من شهودها، فبعد سنوات اجتهد فيها الشباب بلا كلل أو ملل.
لن أتحدث كثيرا عن بدايات شباب دبا مع المسرح فقد عرفوه في المدارس وأحبوه خارجها ومثلوا بعض أدوارهم على مقاهي المدينة التي فوجئت حينذاك بذلك الكائن المسمى بالمسرح .
مع إطلالة العام 1998كان الشباب قد حققوا أول آمالهم بمسرح صغير يجاور المبنى الصغير لجمعيتهم الوليدة ولأنهم كانوا وقتها في طور التشكيل فقد كانت عروضهم التمثيلية مجرد أعمال مدرسية لطلاب شغفوا بالمسرح وتعلقوا به وتمسكوا بصعود السلم من أوله.
أذكر أن انطلاقتهم كانت خجولة ومتواضعة لكنها لم تكن مترددة، وهذه شهادة للحق والتاريخ، وكانت البداية المسرحية مع “حكاية شعب” ثم “من علمني حرفا” والتي كان من بين المشاركين فيها عام 1989محمد الضنحاني ومحمد الأفخم وراشد عبود.
وتتابعت الأعمال وبوتيرة أعلى تؤكد حالة الشغف حتى العشق للمسرح كفن ووسيلة ورسالة، فكانت مسرحية “لازم أتكلم”والتي مثلها عبد راشد ليكتب بها شهادة ميلاده كفنان حقيقي ، وكانت محطته الأكبر والأهم في مسيرته الفنية التي أوصلته إلى أن ينال لقب أفضل ممثل في دورات سابقة من مهرجان أيام الشارقة المسرحية.
المهم أن الشباب واصلوا مسيرتهم على درب المسرح فقدموا عروضا لفتت إليه الأنظار عندما قدموا مسرحيات : الطيارة العيارة ،الحفار ، اليازرة، وقطرة وغيرها الكثير وهي مسرحيات كتب بعضها العضو القديم في جمعية دبا للمسرح وهو الكاتب والشاعر محمد سعيد الضنحاني رئيس مهرجان الفجيرة للمونودراما، وبمعنى آخر مايسترو تحقيق الحلم الذي انطلقت فكرته في ذهنه منذ سنوات طوال قبل أن يحول هذا الحلم، ومعه صديقه محمد الأفخم ، إلى واقع يعرفه العالم الآن كمهرجان دولي تتجدد به الحياة المسرحية كل عامين.
في ذلك البعيد القريب أي قبل ربع قرن ، كان حجم الشباب صغيرا بحكم السن وقلة الخبرة ، لكن شهادة الحق تؤكد أن أحلامهم كانت كبيرة ومن كان الإشفاق عليهم من حمل أعباء التفكير في أحلام كبيرة وآمال عريضة.
لكن الشباب أصروا على أحلامهم بل وعشش الحلم تلو الآخر في أذهانهم واستطاعوا بصبرهم السير على الدرب الموصل إلى محطة أحلامهم كلما تراءى لهم أن الدرب طويل وشاق مضوا باصرار حقيقي ، يحثون الخطى من أجل بلوغ هدفهم بوسيلة هي أهم وسائل بلوغ الغايات ألا وهي العمل الدؤوب على امتلاك الأدوات التي امتلكوها هم بالفعل على مدى سنوات.
تلك هي حكاية موجزة مضى عليها اليوم ربع قرن من الزمان لكني أتذكرها دائما كلما عبرت الطريق من مقرحمعية دبا ، وقدأصبح مبنى كبيرا وبارزا ، وصولا إلى “بيت المونودراما “الذي أتصور أنه ليس نهاية الحلم والأمل لدى شباب جاوروا البحر والجبل فامتلكوا بعض صفاتهما من رسوخ وصفاء وأمل.