لطالما شكل المسرح أداة تعليمية وتربوية للطفل، لما يحمله من مضامين فكرية واجتماعية وترفيهية أيضاً، تسهم في تطوير شخصية الطفل وصقل مهاراته، وعلى مدار التاريخ اكتسب مسرح الطفل مكانة لافتة لدى الأمم، حيث اشتغل القدماء عليه، واهتموا بعمارة شخصية الطفل وروحه استجابة للقيم الإنسانية الرفيعة، بوصف المسرح مورداً معرفياً مهماً، يرفع من مستويات الأدب والإبداع لدى الصغار. ومسرح الطفل لم يكن خارج نطاق اهتمام المنطقة العربية، ورغم عديد التجارب التي شهدتها المنطقة برمتها، إلا أنه يعاني ومنذ سنوات من تراجع لافت. «البيان» فتحت أوراق هذا الملف، لتستكشف عبر استطلاعها الشهري، طبيعة الأسباب التي تقف وراء هذا التراجع، حيث بينت نتائج الاستطلاع على موقع «البيان» الإلكتروني، إن السبب الرئيسي يتمثل في غياب الدعم وهو ما أكده 48% من المشاركين، بينما رأى 27% أن السبب يكمن في ضعف النصوص، وربط 16% من المشاركين أسباب التراجع في عدم أهلية الفنانين، بينما قال 10% من المشاركين إن السبب هو تكرار الموضوعات التي يطرحها مسرح الطفل. نتائج الاستطلاع على «تويتر»، لم تكن بعيدة، حيث اتفق 52% من المشاركين على أن غياب الدعم يعد من أهم أسباب تراجع مسرح الطفل عربياً، في حين اتفق 17.6% على أن تكرار الموضوعات المطروحة لعب دوراً في ذلك، بينما قال 16% إن السبب يكمن في عدم أهلية الفنانين، ليتفق 14.4% على أن السبب يكمن في ضعف النصوص الخاصة بمسرح الطفل.

وللوقوف على هذه النتائج، تواصلت «البيان» مع المسرحي عمر غباش، مستشار شؤون الدراما والإنتاج في مؤسسة دبي للإعلام، والذي قال: «كافة الأسباب التي ذكرت في الاستطلاع، تسهم في عدم تطور الحركة المسرحية الخاصة بالطفل في الوطن العربي، ولكن بنسب مختلفة». غباش لم يكتف بهذه الأسباب.. وقال: «هناك سبب آخر لهذا التراجع، يتمثل في عدم وجود وعي بأهمية مسرح الطفل، وهو ما ينسحب أيضاً على أهمية المسرح عموماً في الوطن العربي، لأن نظرة المجتمع حيال المسرح تتفاوت من فترة لأخرى، ومن مكان لآخر»، مؤكداً أن «عدم وجود أماكن مؤهلة لعروض مسرح الطفل، والمبالغ العالية التي تطلبها الجهات المالكة للمسارح في الوطن العربي، تمثل عائقاً كبيراً أمام الفرق المسرحية، ما يضطرها إلى رفع أسعار التذاكر، وبالتالي عزوف الجمهور عن المتابعة، خاصة في ظل تدني الإمكانيات المادية للناس في بعض الأماكن». ودعا غباش إلى أهمية وجود استراتيجية واضحة لمسرح الطفل، على مستوى الجهات الراعية للحراك الثقافي والفني العربي، وأيضاً الاهتمام بتأهيل العاملين في هذا المجال، بحيث يكون لديهم دراية تامة في شؤون هذا المسرح.

أما الفنان عبد الله صالح، فأكد أن غياب الدعم من أهم الأسباب التي أدت إلى تراجع دور مسرح الطفل عربياً. وقال: «غياب الدعم لعب دوراً مهماً في هذا التراجع، لكون أعمال مسرح الطفل مكلفة إنتاجياً، وغياب الدعم أضعف من قدرة الفرق على إنتاج أعمال مناسبة لمسرح الطفل»، مشيراً إلى أن مسرح الطفل يعاني أيضاً من ضعف النصوص، وتكرار للموضوعات. وتابع: «من بين أبرز الإشكاليات التي يعاني منها مسرح الطفل عربياً، هو عدم وجود نجم شباك، بحيث يشكل عامل جذب للجمهور، وتحديداً الأطفال وهي الفئة التي يستهدفها».

معالجة

من جانبه، أشار الناقد المسرحي العراقي أحمد الماجد، إلى أن كافة الأسباب المذكورة في الاستطلاع، هي بالفعل تشكل أسباباً جوهرية لتراجع دور ومستوى مسرح الطفل ليس على نطاق المنطقة العربية وإنما العالم أيضاً. وقال: «إضافة لهذه الأسباب أرى من وجهة نظري أن السبب الحقيقي يكمن في غياب الكيفية أو الآلية المناسبة أو اللازمة لتجاوز الأزمات الأربعة التي جاء بها الاستطلاع، فمواضيع مسرح الطفل ليست الإشكالية بحد ذاتها، وإنما تكمن الإشكالية في طريقة معالجة تلك المواضيع باعتبار أن عقلية الطفل ومخيلته توسعت ولم تعد هي ذاتها قبل 50 سنة». وواصل: «بات الذهاب إلى التكنولوجيا والعصرنة اللتين هما ملازمتان للطفل اليوم، أمر لا بد منه، فالدعم قائم وموجود، والنصوص الجيدة موجودة، وستظل موجودة، إلا أن إشكالية هذين الأمرين تأتي في إطار عدم توظيف الدعم في الارتقاء بمستوى ما يعرض للطفل». ونوه الماجد إلى أن «هنالك عروضاً مسرحية عربية تقدم بميزانيات لا تكاد تذكر، لكنها عروض مسرحية مهمة تفاعل معها الأطفال وحرصوا على مشاهدتها. وقال: «تواضع مستوى بعض المؤلفين والمخرجين المتصدين لمسرح الطفل أدى إلى تراجع المستوى، فكيف نبني مسرحاً متميزاً إذا كان المشتغلون فيه غير مؤهلين أصلاً للدخول إلى مسرح الطفل؟». وتابع: «إذا أردنا الارتقاء بمستوى مسرح الطفل، فمن المهم وضع معايير وضوابط تجب على كل مشتغل في مسرح الطفل تحقيقها قبل التوجه إلى جمهور الأطفال».

 

 

البيان