تعيش بعض منافذ البيع الكبرى حالياً مرحلة توهج في حجم الدعاية والترويج اللذين تحصل عليهما، وبات اسم عدد من تلك المنافذ يذكر في صفحات الجرائد وقنوات التلفاز بشكل دوري وملحوظ، ليس لأنها رفعت حصة موازين ومخصصات الدعاية والإعلانات، فالأمر لم يتطلب منها سوى تثبيت أسعار 30 أو 40 سلعة، فيما تكفلت المؤتمرات الصحافية واسم «حماية المستهلك» في إكمال القصة وإصباغ الخبر بالطابع الرسمي، ما ضمن لها الحصول على مساحات مميزة في تلك الوسائل، ألا تبدو صفقة مربحة؟

حضرت عدداً من تلك الاجتماعات التي تعقدها إدارة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد مع أصحاب الشأن في تلك المنافذ، وسلم كل منفذ عدداً من الأصناف التي ينوي بكرمه تثبيت أسعارها، لكن بعد عملية جمع بسيطة لمجموع البضائع المثبت أسعارها في كل المنافذ، حصلنا على ما يقارب 400 سلعة مثبتة في يوم واحد، رقم كبير قد يخفي أكذوبة أكبر، هذا ليس تحاملاً على أحد، لأن تثبيت نوع واحد من الأرز مثلاً في 20 منفذاً يعني وفق تلك الآلية أننا حصلنا على 20 سلعة مثبتة، ولكن لنوع وصنف واحد من المنتجات. فهل هذا ما يبحث عنه المستهلك؟

لا نشكك في الجهود التي تبذلها إدارة حماية المستهلك لكبح جماح تجار يحاولون ابتلاع الدراهم وجمع ما تيسر من أرباح، ولكن المطلوب إيجاد مبادرات حقيقية بعيدة عن التهويل الإعلامي والأرقام الفلكية المبالغ فيها أحياناً، لأن المستهلك سيكتشف ويتحقق من خبر يحمل عنواناً مثل «أسواق الدولة تشهد تثبيت 100 سلعة استهلاكية»، بمجرد دخوله إلى أحد المنافذ.

ولا شك في أن مثل تلك الصدمات التي يتلقاها المستهلك حينما يتأكد بأن الوعود والمبادرات التي تحمل اسم «حماية المستهلك» يشوبها تهويل من شأنه أن يخلق حالة من انعدام الثقة مع أهم مرجع لحمايته.

تفتح مثل تلك المواضيع جوانب أكثر عتمة وأبواباً تؤدي إلى دهاليز أكثر تشتيتاً وضبابية، وتقود إلى طرح السؤال الأهم، من المسؤول عن ارتباط الصورة الذهنية لمهنة الصحافة لدى الكثيرين بالكذب؟ وهل تكذب الصحافة، أم أن المصادر كاذبة؟