عائشة سلطان
سألني شاب إماراتي أعجبني صبره على الحوار معي: لماذا تكتبين ؟ وكان لابد لكي أجيب من أحد طريقين، إما الاعتذار عن الإجابة بداعي الوقت الذي أنا في حاجة إليه كي أكتب مقالي للصحيفة، وإما الإجابة وبالتالي التورط مع الوقت في لعبة شد أعصاب أعلم سلفاً أنها لن تنتهي لمصلحة الجريدة وهذا ما كان، لكن السؤال على بساطته مهم، كان مهماً للشاب لأنه أصر عليه ومهماً لي لأنني منذ زمن لم أتفقد شهية الكتابة فيما إذا لايزال منسوبها جيداً أم شارف على النضوب، أتمنى أن يكون النهر في حالة فيضان على أي حال.
لماذا نكتب سؤالاً شبيهاً بلماذا نتحرك، ولماذا نعمل، ولماذا نعقد صداقات جميلة، ولماذا نقرأ؟ عن نفسي لو لم أقرأ كل يوم فقد يحدث شيء لي لا أدريه، ربما أبالغ ولكنها مبالغة من ذلك النوع الرومانسي الذي قرأته في واحدة من الروايات القديمة، مع ذلك فقد أجبت الشاب بشكل جعلني بأسئلته أدخل أنفاقاً ولا أخرج منها، كان نهماً في أسئلته وكنت نهمة في الحديث، اكتشفت أن كلاً منا نهم للحوار، نحن شعب لا يتحاور إلا قليلاً ، وحين يفتح نوافذ الحوار غالباً ما يحلو له أن يذرف دمع الشكوى على كل شيء، وهذا ليس حواراً، إنه تمرين ابتدائي على الانتحار البطيء !
الحوار لايعني أن تشتكي من الخدمات الاجتماعية المقدمة لك وينتهي الأمر، الحوار لا يعني أن تتحدث ليسمعك الآخر موافقاً، الحوار لا يعني أن يتحدث الجميع في نفس الوقت وحول الموضوع نفسه دون أن يشذ أحدهم بكلمة خوفاً على حياته، على اعتبار أن من شذ في النار، إلا إذا أحلنا النار هنا عن معناها القريب المعروف إلى معنى أبعد للدلالة على الشقاء والعذاب ونفي الجماعة، بحسب علماء السيميائية أو علم الدلالة.
لا حوار دون وجهتي نظر أو أكثر، لكننا نمتلك موهبة عجيبة في إحالة المخالف مصيرين: إما إلى حبل المشنقة، أو الحصار والتهميش والنفي من نعيم الجماعة ومنافعها، هذا بالضبط قلت لسائلي السبب الذي جعلني أكتب أول مقال في ديسمبر من عام 1996، وهذا ما يجعلني لا أزال أكتب ومصرة على الاستمرار، لأننا يجب أن نتعلم كيف نتحاور قبل ان نطالب بقضايا كبرى لا نعرف كيف نديرها بعقلية الإقصاء ونظرية “أبلسة الآخر “ فهو إبليس الرجيم لأنه على غير مانعتقد، ونحن الفرقة الناجية لأننا نعتقد بما نعتقد.
لا وجود لإبليس بيننا، ولا يملك أحد كل الحقيقة، فلو امتلك بعضنا حرفاً من جملة الحقيقة فليحمد الله، وليصل ركعتي شكر وقت السحر، فالحقيقة نعمة كبرى، ولكن ..!! إذا امتلكتها فاستكملها بحروف غيرك كي تتكون الكلمة، هكذا يقول علم اللغة، الأصوات الفردية تكون الكلمات التي نعرف بها الواقع، والكلمات تصنع الجملة، والجمل تقودنا كي نكتشف العالم والواقع وكل البناء الاجتماعي الذي نعيشه، بعيداً عن عنجهية الغرور، التي تتملكنا إذ نعتقد – مخطئين – بأن فلاناً لا يستحق أن يناقش لأنه ضال، وفلان لا يجوز أن يحاور لأنه إبليس، فما هلكت هذه الأمة إلا عندما أحرقت كتب علمائها في وضح النهار.
– عن الاتحاد