علي أبو الريش
تصور أنك مسافر عبر إحدى الطرق وتنوي الوصول إلى مكان في بلد ما، وقد عطب إطار سيارتك أو تعطل المحرك ووقفت على قارعة الطريق في انتظار المغيث المعين، وبالتأكيد لن تجد من يتوقف ليسعفك، وسوف تنتظر كثيراً وبخاصة لو كان الوقت صيفاً فسوف تسوطك حرارة الشمس حتى تذوب قمة رأسك، وتنصهر الدماء تحت جلدك.
كل شيء تغير في هذا الزمان، وأولها أخلاق الناس، الناس المستعجلون جداً، اللاهون كثيراً، واللامبالون بما يحيق بغيرهم، والأعذار كثيرة، فقد لا يتوقف لأحد خوفاً من أخطار الوقوف لمن لا يعرفونه. وقد لا يتوقف لك أحد لأنه لا يهمه أمرك طالما لا يعرفك. في الزمان الجميل فلا يخشى عابر السبيل التائه من وحشة الطريق لأن هناك من سيسأل، وهناك من سيقدم العون والصون، وهناك من سيبذل كل ما يملك من أجل إكرامك وتخفيف الهم عن صدرك. اليوم لا شيء من هذه القيم يمكن أن تنتظره وأنت تتوقف في عرض الطريق وحيداً، بلا حول ولا قوة، لأن أخلاق الناس تغيرت ومذاهبهم في تقديم المساعدة تلاشت، وحزمة القيم الرائعة قد اضمحلت وانهارت، وغابت في آتون السرعة الفائقة في الوصول إلى أهداف ذاتية وآنية، فلا أحد معنياً بأحد، ولا أحد يهمه شأن أحد، بل إن الخوف من الاقتراب من الغريب عذر يقف صداً وسداً مانعاً لأي علاقة إنسانية حميمة، والتوجس من نوايا الآخر حماية واقية من أي تأنيب ضمير. أحلام الناس تشابكت وتعقدت وتشوهت وتراكمت على صفحاتها غبار سلوكيات جديدة، وأصبح التفكير في تغيير هذه الأخلاق ضرباً من المستحيل لأنها أخلاق العصر، وقيم مراحل ما بعد الفراغ الذهني، وسمة من سمات الحضارة التي أمعنت كثيراً في التسويف والإسفاف والاستخفاف بكل ما هو جميل لدى الإنسان.. أصبح التفكير في صياغة أخلاق الناس بما يتلاءم مع إنسانيتهم أمراً من أمور التخلف والتكلف. شحنات عدوانية تراكمت وتزاحمت في النفوس بفعل الركض والحض المستعر بنيران نفوس أجهدها كثيراً هذا الاحتباس الحراري الداخلي. فكثير من الناس عندما تحدثه عن أزمة عابر طريق لا يجد من يقدم لله يد العون وينقله إلى حيث يشاء، أو مكسور تعطلت مركبته صدفة ينظر إليك ويغضن حاجبيه ويحك صدغه قائلاً: يا أخي هذه مشكلة، فلا تأمن شرور الناس ولا تدري إن كان هذا الواقف في الطريق بالفعل يمر بمشكلة أم أنه يريد أن ينصب فخاً للآخرين بقصد السرقة أو ارتكاب جريمة ما. لذلك تجد الناس يتلافون مثل هذه المواقف وينأون بأنفسهم بعيداً عن المشاكل، وآخر يقول بجرأة متناهية ولماذا أضع نفسي موضع المنقذ، فما شأني أنا والآخرين، فكل واحد يجب أن يتخذ احتياطياته عندما ينوي السفر ولا يعرض الناس للحرج، أو يؤخرهم عن أعمالهم. وثالث يقول أنا بصراحة لا أهتم إلا بنفسي، ولا علي من غيري، فيكفيني حل مشاكلي، ولست مستعداً أن أعرض نفسي لمشاكل أنا في غنى عنها. وهكذا هي الأخلاق الجديدة، وهكذا هي القيم التي اقتحمت حصن عاداتنا وتقاليدنا.. والله المستعان.
– عن الاتحاد