علي أبو الريش
لا ندري ما هي الرقية التي يضعها بعضهم على زنده، ليقي نفسه شر الخلل والزلل، والخضوع الكلي لنوايا الملل والنِحل والخضبة الداكنة الساقطة عند مرابع العقل الباطن. ولا ندري كيف استطاع هؤلاء أصحاب الرقى الانتقال الفوري من العمل السري والرابض تحت أسِرة الباطنية الفجة، إلى تشمير السواعد، وكشف الرؤوس، والإعلان صراحة أنهم ضد الأوطان بأي حال من الأحوال، وأنهم يسبحون ضد التيار حتى وإن كانت هذه الأوطان تحقق للإنسان من أسباب العيش الكريم ما لا يخطر على بال بشر.
ولا ندري من أي سماء جاء لهؤلاء الوحي ليقول لهم أنتم الأوصياء، وأنتم الواهبون للناس صكوك الغفران، وأنتم تملكون مفاتيح الجنة، وأنتم الذين على حق وسواكم جانبه الصواب من أخمص قدمه حتى ذوائب رأسه، على الرغم من أننا في مجتمعات مسلمة تعرف الله جيداً، وتقرأ كتابه الكريم، ولا يوجد في القرآن ما يعطي الرخصة لكل من هب ودب أن يرغي ويثغي، وينصب نفسه وصياً دعياً، قابض الأرواح ومالك الرخصة السماوية للتكفير وإخراج الناس من ملة نبيهم محمد عليه السلام. لا ندري لماذا صعد هذا التيار فجأة على الرغم من أنه موجود من أمد الدهر، لكنه لم يكن بهذه الفجاجة وهذه الدعاية المغرضة، وهذه الرغبة الجامحة للاستيلاء على مشاعر الناس، والسطو على محبتهم للحياة كبشر من حقهم أن يعيشوا دون أصفاد ولا أحقاد ولا ضمائر خربة، ولا عقول تريد العودة بالناس إلى تاريخ ما قبل ميلاد المسيح عليه السلام.
كل ذلك قد لا ندري عنه شيئاً أو نحاول أن نتجاهله، ولكن الذي صرنا نعلمه علم اليقين ونريد أن يصل حديثنا إلى بصير وذي بصيرة، هو أن الخلاف مع بعضهم ليس خلافاً دينياً بحتاً، ولا سياسياً صرفاً. الخلاف بين هذا التيار والآخرين هو خلاف ديني سياسي، بمعنى أن مفهوم السياسة الذي ألبس برداء ديني، ومعنى الدين الذي لحف بشرشف سياسي هو المعضل وهو مربط الخيل. ففي الدين هناك كتاب الله الفاصل ما بين الحق والباطل، وما بين الحقيقة والخيال، ولا مجال للادعاء والافتراء إلا لمن يريد أن يخرج عن النص ليغرد بعيداً عن السرب لأهداف ذاتية وأجندات خفية أصبحت واضحة للجميع.
وفي السياسة هناك ثوابت وطنية وميثاق عمل إنساني مجتمعي لا يمكن اختراقه ولا يمكن إحراقه والولوج بالسفينة في أعماق محيط هائج مائج. أما عن حب الظهور والنعيق والنهيق ليعرف الناس أن فلاناً هذا معارض أو ناشط أو أي شيء من أشياء الزمن الخرب، فإن البعض استغل “الفوضى الخلاقة” في بعض البلاد العربية، فأراد أن يشق ثوبه من دُبرٍ ويقول ظلموني، ظلموني، ولترقص على أنغام هذا الصوت النشاز هيئات ومنظمات دولية مشبوهة، وشهادات مجروحة ليكلها بعدة مكاييل دون حساب أو رقابة على ما تهذي به.
– عن الاتحاد