سعيد حمدان
تناولت وسائل الإعلام خلال الأيام الماضية بشكل ملفت رقم “مليون” سائح سعودي الذي ذكر أنهم زاروا الإمارات خلال فترة إجازة المدارس القصيرة التي انتهت مطلع الأسبوع الحالي. وفي مختلف مواسم العطلات على مدار العام ينشغل الإعلام برقم السياح السعوديين تحديداً الذين يزورون الدولة.
والواقع أن الرقم كبير مقارنة بنسب السياح الأجانب الذين يزورون الدولة، أو حصة أية دولة عربية أخرى من سياح المملكة، لكن الأمر الذي لا ينتبه له الإعلام هو الوجود السعودي (المستقر) له دلالات أكبر بكثير من مجرد رقم المليون سائح الذي يتكرر ويكبر حجمه في الإحصائية السنوية لكل موسم سياحي، إنه في ضخامة الأعمال والاستثمارات والشراكات وحركة التجارة، وفي مدى التواصل المجتمعي من خلال تآلف واستقرار العديد من الأسر السعودية بيننا في بيتها الثاني. هو أيضاً في الشق المعرفي ممثلاً في الحراك الأدبي والفكري من خلال مشاركة المثقف السعودي في المشهد الثقافي والإعلامي الذي يحدث هنا.
هذا الدور أعتقد أنه لا يقل أهمية عن رقم المليون سائح الذي ينشغل به الإعلام ويبحث عنه باستمرار. لأول مرة يتواجد المثقف السعودي بهذه الكثافة والنوعية في مجتمع آخر ويشارك بهذا الحماس والإبداع.
في فترات زمنية تواجد هذا المبدع في مدن مثل بيروت أو القاهرة والتي تحدث عنها كثيرون في كتاباتهم وأشعارهم، مثل الدكتور غازي القصيبي وتحديداً في عالم روايته “شقة الحرية”، وكذلك في لندن بحكم كثافة تواجد المؤسسات الإعلامية السعودية آنذاك، وفي أميركا التي احتضنت في مرحلة ما نسبة كبيرة من الطلاب المبتعثين للدراسات العليا هناك، أو البحرين بحكم قربها. لكن هذا التواجد في مختلف هذه البلدان كان مرحلياً، وكان محدوداً بعدد من الأسماء اللامعة.
لكن الذي يلاحظ خلال السنوات الأخيرة هنا في الإمارات هو هذه الكثافة والتنوع في الحضور السعودي، هناك عشرات الأسماء البارزة، ومن مختلف أطياف التيارات الفكرية، ومن ثقافات مدن المملكة وأقاليمها الشاسعة.
اليوم هناك أكثر من خمسة كتّاب سعوديين يتواجدون بشكل أسبوعي تقريباً في صحف الإمارات ويكتبون كذلك في صحف سعودية وأخرى عربية مثل الدكتورة بدرية البشر، والدكتور سليمان الهتلان. وفي “الاتحاد” زوايا ثابتة لكل من تركي الدخيل، وعبد الله بن بجاد العتيبي، ومنصور النقيدان. هؤلاء في أغلب كتاباتهم يناقشون قضايا وهموم مجتمع الإمارات والخليج عموماً. أيضاً هناك الأعلام الدعاة الذين يحظون بمتابعة شريحة كبيرة من الجمهور، تجد لهم برامج ثابتة على خريطة قنواتنا الفضائية مثل الشيخ عايض القرني، والشيخ محمد العريفي، والشيخ صالح المغامسي في قنوات دبي، أو البرنامج التربوي للدكتور طارق الحبيب في قناة أبوظبي. هناك كذلك تجربة داود الشريان، وهاني النقشبندي في تقديم برامج حوارية على قناة دبي في مرحلة ما.
جماهيرية الرياضة استقطبت كذلك عدداً من نجوم السعودية الذين أصبح لهم حضور كبير في الساحة الإماراتية، ابتداءً من النجم ياسر القحطاني في نادي العين، إلى المحللين السعوديين في استوديوهات قنوات أبوظبي ودبي الرياضية.
ووجود مجموعة “أم بي سي” الإعلامية خلق أيضاً حالة من الاستقطاب للكوادر السعودية ودعم استقرارها وحضورها المستمر والقوي في الساحة الإعلامية. وكنت أظن أن “السعودة” في قناة “العربية” لا تزيد عن شخص مديرها العام عبد الرحمن الراشد، والإعلامي ناصر الصرامي، وبرنامج “إضاءات” لتركي الدخيل، لكني فوجئت بوجود عشرات الأسماء السعودية وفي مختلف التخصصات، لا تعرف ملامحهم وهم يتحركون في صالات وممرات القناة من غير “الكندورة” و”الغترة”، لكن الأسماء واللهجة تدلك عليهم.
لكن، هل أضافت تجربة الحياة هنا إلى رصيد الإنسان السعودي، المثقف والإعلامي تحديداً؟ وما مدى استفادة مجتمعنا من وجود هذه النخبة المثقفة؟
قد تجيب على ذلك بعض الممارسات وقراءة التحولات أو المكاسب التي يمكنك ربطها بمدى تأثر الشخص بالبعد المكاني أو المجتمعي الذي أصبح منتمياً له. فقبل أربع سنوات، في مرحلة بدايات الأزمة الاقتصادية العالمية، وعندما كانت دبي تتعرض لسهام التشويه والطعن والإشاعات المغرضة من الذين أكرمتهم وأحسنت إليهم، كانت هناك حملة شعبية يقودها بعض الإعلاميين وأفراد المجتمع السعودي عنوانها “دبي أقوى”، كانت ترد على هذه الحملات المسمومة وتنتصر للمدينة التي عرفتها جيداًَ.
والإجابة أيضاً قد تجدها على أرض الواقع عند زيارتك للمملكة، فلا شك أن العلاقة الخليجية قوية وقديمة وجميعنا ننتمي إلى نسيج مجتمعي مترابط، لكن السعودي اليوم، وتحديداً الجيل الشاب عندما يعرف أن زائره إماراتي من”عيال زايد”، وهي أجمل تسمية تسمعها في كل مكان هناك تعبيراً عن محبتهم ومكانة الضيف عندهم، يشعرك بالخجل من كثرة حفاوته.
كذلك في حرص السائح السعودي على أن يزور الإمارات مرات عديدة في العام، وليس صحيحاً تبرير بعض وسائل الإعلام بأن سبب ذلك يعود لقرب المكان، وتنافسية الأسعار، فهناك بلدان عديدة أقرب للمملكة منا، تملك طقساً أجمل، وأسعاراً أرخص، وعندها مزايا عديدة… لكنه دائماً يفضل العودة إلى هنا، وحتى لو قرر التغيير، فإنه يجعل الإمارات محطة أولى أو أخيرة لابد أن يمر بها.
تواجد هؤلاء النجوم من الإعلاميين والمثقفين في الإمارات،خلق شعبية للمكان عند المجتمع السعودي، فمثلاً عندما حضرت الدكتورة بدرية البشر لتوقع كتابها “تزوج سعودية” في معرض أبوظبي للكتاب، وقد اختارت أن يصدر عن دار نشر إماراتيه ناشئة، كان هناك جمهوراً من جنسيات عربية، غالبيته من الشباب السعودي الذي جاء ليقابلها هنا. وهذه الظاهرة قد تلحظها تتكرر في أي منتدى أو لقاء أو معرض يشارك فيه نجم من المملكة، تجد وجوهاً سعودية تتبعه وتحرص على اللقاء به.
وفي تأثر كتابات المثقفين والأدباء السعوديين بالإمارات، بحكم تجربتهم وتفاعلهم اليومي، والنظر إلى الواقع بعين الآخر، قد تكون أهم وأغنى الدراسات والمقالات التي أنصفت تجربة مجتمع الإمارات والنهضة التي تعيشها الدولة، كتبتها هذه الأقلام في الصحافة العربية الدولية.
– عن الاتحاد